الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٥٤٩
(إن قلت: سئل عن سبب العجلة الخ) قال أحمد: وإنما أراد الله تعالى بسؤاله عن سبب العجلة وهو أعلم أن يعلم موسى أدب السفر، وهو أن ينبغي تأخير رئيس القوم عنهم في المسير ليكون نظره محيطا بطائفته ونافذا فيهم ومهيمنا عليهم، وهذا المعنى لا يحصل في تقدمه عليهم، ألا ترى الله عز وجل كيف علم هذا الأدب لوطا؟ فقال - واتبع أدبارهم - فأمره أن يكون أخيرهم، على أن موسى عليه السلام إنما أغفل هذا الأمر مبادرة إلى رضا الله عز وجل ومسارعة إلى الميعاد، وذلك شأن الموعود بما يسره يود لو ركب إليه أجنحة الطير، ولا أسر من مواعدة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى (قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك) قال (إن قلت لم خلق الله العجل فتنة لهم الخ) قال أحمد: هذا السؤال وجوابه تقدما له في أول سورة الأعراف، وقد أوضحنا أن الله تعالى إنما تعبدنا بالبحث عن علل أحكامه لا علل أفعاله، وجواب هذا السؤال في قوله تعالى - لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون - فهذا الأمر جائز وقد أخبر الله تعالى بوقوعه فلا نبتغي وراء ذلك سبيلا، لكن الزمخشري تقتضى قاعدته في وجوب رعاية المصالح على الله تعالى وتحتم هداية الخلق عليه أن يؤول ذلك ويحرفه، فذرهم وما يفترون.
(٥٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 544 545 546 547 548 549 554 556 557 560 561 ... » »»