الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٣٨٦
قوله تعالى (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) قال (فإن قلت: ما معنى تقليل ودادتهم إلخ؟) قال أحمد: لا شك أن العرب تعبر عن المعنى بما يؤدي عكس مقصوده كثيرا، ومنه قوله:
* قد أترك القرن مصفرا أنامله * وإنما يمتدح بالإكثار من ذلك، وقد عبر بقد المفيدة للتقليل ومنه والله أعلم - وقد تعلمون أني رسول الله - والمقصود توبيخهم على أذاهم لموسى عليه السلام على توفر علمهم برسالته ومناصحته لهم. وقد اختلف توجيه علماء البيان لذلك، فمنهم من وجهه بما ذكره الزمخشري آنفا من التنبيه بالأدنى على الأعلى، ومنهم من وجهه بأن المقصود في ذلك الإيذان بأن المعنى قد بلغ الغاية حتى كاد أن يرجع إلى الصد، وذلك شأن كل ما انتهى لنهايته أن يعود إلى عكسه، وقد أفصح أبو الطيب ذلك بقوله:
ولجدت حتى كدت تبخل حائلا * للمنتهى ومن السرور بكاء وكلا هذين الوجهين يحمل الكلام على المبالغة بنوع من الإيقاظ إليها، والعمدة في ذلك على سياق الكلام، لأنه إذا اقتضى مثلا تكثيرا فدخلت فيه عبارة يشعر ظاهرها بالتقليل استيقظ السامع بأن المراد المبالغة على إحدى الطريقتين المذكورتين، والله أعلم.
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 378 384 385 386 388 393 394 395 397 ... » »»