قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لحافظون) قال (هذا رد لإنكارهم واستهزائهم إلخ) قال أحمد:
ويحتمل أن يراد حفظه مما يشينه من تناقض واختلاف لا يخلو عنه الكلام المفترى، وذلك أيضا من الدليل على أنه من عند الله كما قال تعالى في آية أخرى - ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا -.
قوله تعالى (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين) قال (معناه: يلقيه في قلوبهم مكذبا به إلخ) قال أحمد:
والمراد والله أعلم إقامة الحجة على المكذبين بأن الله تعالى سلك القرآن في قلوبهم وأدخله في سويدائها كما سلك ذلك في قلوب المؤمنين المصدقين فكذب به هؤلاء وصدق به هؤلاء، كل على علم وفهم - ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة - ولئلا يكون للكفار على الله حجة بأنهم ما فهموا وجوه الإعجاز كما فهمها من آمن، فأعلمهم الله تعالى من الآن وهم في مهلة وإمكان أنهم ما كفروا إلا على علم معاندين باغين غير معذورين والله أعلم، ولذلك عقبه الله تعالى بقوله - ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون - أي هؤلاء فهموا القرآن وعلموا وجوه إعجازه، وولج ذلك في قلوبهم ووقر ولكنهم قوم سجيتهم العناد وشيمتهم اللدد حتى لو سلك بهم أوضح السبيل وأدعاها إلى الإيمان بضرورة المشاهدة، وذلك بأن يفتح لهم بابا في السماء ويعرج بهم إليه حتى يدخلوا منه نهارا، وإلى ذلك الإشارة بقوله فظلوا، لأن الظلول إنما يكون نهارا، لقالوا بعد هذا الإيضاح العظيم المكشوف: إنما سكرت أبصارنا وسحرنا محمد، وما هذه إلا خيالات لا حقائق تحتها، فأسجل عليهم بذلك أنهم لا عذر لهم في التكذيب من عدم سماع ووعي ووصول إلى القلوب وفهم كما فهم غيرهم من المصدقين، لأن ذلك كله حاصل لهم، وإنما بهم العناد واللدد والإصرار لا غير، والله أعلم.