الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٣٩٤
والله أعلم. عاد كلامه قال (فإن قلت: لم جاز تعليق فعل التقدير في قوله - قدرنا إنها لمن الغابرين؟ إلخ) قال أحمد:
وهذه أيضا من دفائنه الاعتزالية في جحد القضاء والقدر واعتقاد أن الأمر أنف، لأنهم يعتقدون أن الله تعالى مريد لأكثر أفعال عبيده من معصية ومباح ونحوهما، ولا مقدر لها على العبيد، بمعنى أنه مريد ولكنه عالم بما سيفعلونه على خلاف مشيئته وإرادته، فالتقدير عندهم هو العلم لا الإرادة، ثم استدل على أن التقدير هو العلم بتعليق فعله عن العمل، وذلك من خواص فعل العلم وأخواته، فانظر إلى بعد غوره ودقة فطنته في ابتغاء ألسنة يلفقها ويعاند بها البراهين الواضح فلقها، وفي كلامه شاهد على رده، فإن التقدير عنده مضمن معنى العلم، ومن شأن الفعل المضمن معنى آخر أن يبقى على معناه الأصلي مضافا إليه المعني الطارئ فيفيدهما جميعا، فالتقدير إذا كما أفاد العلم الطارئ يفيد الإرادة أصلا ووضعا والله أعلم، على أن من الناس من جعل قوله تعالى - قدرنا إنها لمن الغابرين - من كلامه تعالى غير محكي عن الملائكة وهو الظاهر، فإن الذي يجعله من قول الملائكة يحتاج في نسبتهم التقدير إلى أنفسهم إلى تأويل، ويجعله من باب قول خواص الملك دبرنا كذا وأمرنا بكذا وإنما يعنون دبر الملك وأمر، وبذلك أوله الزمخشري وإن كان أصله لا يحتاج معه إلى التأويل، لأنه إذا جعل قدرنا علمنا أنها لمن الغابرين فلا غرو في علم الملائكة ذلك بإخبار الله تعالى إياهم به، وإنما يحتاج إلى التأويل من جعل قدرنا بمعنى أردنا وقضينا وجعله من قول الملائكة، والله أعلم
(٣٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 384 385 386 388 393 394 395 397 398 400 401 ... » »»