قوله تعالى (بل سولت لكم أنفسكم أمرا) قال: معناه أن هذا شئ أرتموه الخ. قال أحمد وهذا من الزمخشري إسلاف جواب عن السؤال كأن قائلا يقول: هم في الوقعة الأولى سولت لهم أنفسهم أمرا بلا مراء، وأما في هذه الوقعة الثانية فلم يتعمدوا في حق بنيامين سوءا، ولا أخبروا أباهم إلا بالواقع على جليته، وما تركوه بمصر إلا مغلوبين عن استصحابه، فما وجه قوله ثانيا - بل سولت لكم أنفسكم أمرا - كما قال لهم أولا. وإذا ورد السؤال على هذا التقرير فلا بد من زيد بسط في الجواب فنقول: كانوا عند يعقوب التهمة وتقويها وهى أخذ الملك له في السرقة، ولم يكن ذلك إلا من دين يعقوب وحده لا من دين غيره من الناس ولا من عادتهم، وإلى ذلك وقعت الإشارة بقوله تعالى - ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك - تنبيها من الله تعالى على وجه اتهام يعقوب لهم، فعلم أن الملك إنما فعل ذلك بفتواهم له به، وظن أنهم أفتوه بذلك بد ظهور السرقة تعمدا ليتخلف أخوهم، وكان الواقع أنهم استفتوا من قبل أن يدعى عليهم السرقة، فذكروا ما عندهم ولم يشعروا أن المقصود إلزامهم بما قالوا واتهام من هو بحيث تتطرق التهمة إليه لاحرج فيه، وخصوصا فيما يرجع إلى الوالد من الولد، ويحتمل والله أعلم أن يكون الوجه الذي سوغ له هذا القول في حقهم أنهم جعلوا مجرد وجود الصواع في رحل من يوجد في رحله سرقة من غير أن يحيلوا الحكم على ثبوت كونه سارقا بوجه معلوم، وهذا في شرعنا لا يثبت السرقة على من ادعيت عليه، فإن كان شرعهم مثل شرعنا في ذلك ففتواهم إذا غير محررة، وهو إشعار بأنهم كانوا حراصا على ثبوت السرقة
(٣٣٨)