قوله تعالى (قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله) قال (معناه: إن إرساله معكم مناف الخ) قال أحمد: لن للنفي المؤكد. وأما قول الزمخشري في المنافاة له فله وراء ذلك غرض، إنما يطلع عليه من قتل كلامه علما، وذلك أنه اعتمد في إحالة الرؤيا على الله أن قوله تعالى - لن تراني - معناه: أن الرؤية منافية لحالي، وجعل هذه المنافاة من مقتضى لن، ثم التزام ذلك في هذه اللفظة حيثما وقعت كل ذلك لتمرن الأذهان على أن هذا مقتضى لن وقد سبق وجه الرد عليه في ذلك. عاد كلامه، قال (وقوله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم - معناه: إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا الإتيان الخ) قال أحمد: وإنما اختص هذا النوع من الاستثناء بالنفي لأن المستثنى منه مسكوت عنه والنفي عام، إذ يلزم من نفى الإتيان مثلا نفى جميع العوارض اللاحقة به ضرورة، فكأنه لعمومه مقرون بذكر المستثنى منه، ولا كذلك الإتيان فإنه لا إشعار له بعموم الأحوال لأنه لا يتوقف إلا على أحدها، والله أعلم، ولقد صدقت هذه القصة المثل السائر وهو قولهم: البلاء موكل بالمنطق، فإن يعقوب عليه السلام قال أولا في حق يوسف - وأخاف أن يأكله الذئب - فابتلى من ناحية هذا القول، وقال ههنا ثانيا - إلا أن يحاط بكم - أي تغلبوا عليه، فابتلى أيضا بذلك وأحيط بهم وغلبوا عليه.
(٣٣٢)