الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٥٤٧
قوله تعالى (وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) قال محمود (هم ناس من ضعفة المسلمين الذين لم تكن فيهم خبرة بالأحوال الخ) قال أحمد: وفي اجتماع الهمزة والباء على التعدية نظر لأنهما متعاقبتان، وهو الذي اقتضى عند الزمخشري قوله في الوجه الثاني فعلوا الإذاعة ليخرجها عن الباء المعاقبة للهمزة.
ثم في هذه الآية تأديب لمن يحدث بكل ما يسمع وكفى به كذبا، وخصوصا عن مثل السرايا والمناصبين الأعداء والمقيمين في نحر العدو، وما أعظم المفسدة في لهج العامة بكل ما يسمعون من أخبارهم خيرا أو غيره، ولقد جربنا ذلك في زماننا هذا منذ طرق العدو المخذول البلاد طهرها الله من دنسه وصانها عن رجسه ونجسه وعجل للمسلمين الفتح وأنزل عليهم السكينة والنصر. عاد كلامه قال (ومعنى ولولا فضل الله عليكم ورحمته ولولا إرسال الرسل وإنزال الكتب الخ) قال أحمد: وفي تفسير الزمخشري هذا نظر، وذلك أنه جعل الاستثناء من الجملة التي وليها بناء اتباع الشيطان إلى عصيانه وخزيه، وليس لله عليه في ذلك فضل، ومعاذ الله أن يعتقد ذلك. وبيان لزومه أن لولا حرف امتناع لوجود، وقد أبانت امتناع اتباع المؤمنين للشيطان، فإذا جعلت الاستثناء من الجملة الأخيرة فقد سلبت تأثير فضل اله من امتناع الاتباع عن البعض المستثنى ضرورة وجعلت هؤلاء المستثنين مستبدين بالايمان وعصيان الشيطان الداعي إلى الكفر بأنفسهم لا بفضل الله: ألا تراك إذا قلت لمن تذكره بحقك عليه: لولا مساعدتي لك لسلبت أموالك إلا قليلا، كيف لم تجعل لمساعدتك أثرا في بقاء القليل للمخاطب وإنما مننت عليه بتأثير مساعدتك في بقاء أكثر ماله لا في كله، ومن المحال أن يعتقد موحد مسلم أنه عصم في شئ من الأشياء من اتباع الشيطان إلا بفضل الله تعالى عليه. وأما قواعد أهل السنة فواضح أن كل ما يعد به العبد عاصيا للشيطان من إيمان
(٥٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 541 542 543 544 545 547 548 551 554 556 557 ... » »»