الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٤٤٤
الذي ذهب إليه بوجه، ونحن نبين السبب الباعث له على إخراج الكلام عن ظاهره ثم نقرر وجها يطابق الآية، وذلك أن هذه الواو المصاحبة للشرط تستدعي شرطا آخر يعطف عليه الشرط المقترنة به ضرورة، والعادة في مثل ذلك أن يكون المنطوق به منبها على المسكوت عنه بطريق الأولى، مثاله قولك: أكرم زيدا ولو أساء، فهذه الواو عطفت المذكور على محذوف تقديره: أكرم زيدا لو أحسن ولو أساء، إلا أنك نبهت بإيجاب إكرامه وإن أساء، على أن إكرامه إن أحسن بطريق الأولى، ومنه - كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم - معناه والله أعلم لو كان الحق على غيركم ولو كان عليكم، ولكنه ذكر ما هو أعسر عليهم فأوجبه تنبيها على ما هو أسهل وأولى بالوجوب، فإذا تبين مقتضى الواو في مثل هذه المواضع وجدت آية آل عمران هذه مخالفة لهذا النمط ظاهرا، لأن قوله " لو افتدى به " يقتضي شرطا آخر محذوفا يكون هذا المذكور منبها عليه بطريق الأولى، وهذه الحال المذكورة وهي حالة افتدائهم بملء ء الأرض ذهبا هي حالة أجدر الحالات بقبول الفدية وليس وراءها حالة أخرى تكون أولى بالقبول منها، فذلك قدر الكلام بمعنى لن يقبل من أحد منهم فدية ولو افتدى بملء ء الأرض ذهبا حتى تبين حالة أخرى يكون الافتداء الخاص بملء ء الأرض ذهبا أولى بالقبول منها، فإذا انتفى حيث كان أولى فلأن ينتفي فيما عدا هذه الحالة أولى، فهذا كله بيان للباعث له على التقدير المذكور. وأما تنزيل الآية عليه فعسر جدا، فالأولى ذكر وجه يمكن تطبيق الآية عليه على أسهل وجه وأقرب مأخذ إن شاء الله فنقول: قبول الفدية التي هي ملء الأرض ذهبا يكون على أحوال: منها أن يؤخذ منه على وجه القهر فدية عن نفسه كما تؤخذ الدية قهرا من مال القاتل على قول. ومنها أن يقول المفتدي في التقدير: أفدي نفسي بكذا وقد لا يفعل. ومنها أن يقول هذا القول وينجز المقدار الذي يفدي به نفسه ويجعله حاضرا عتيدا، وقد يسلمه مثلا لمن يأمن منه قبول فديته. وإذا تعددت الأحوال فالمراد في الآية أبلغ الأحوال وأجدرها بالقبول وهو أن يفتدي بملء ء الأرض ذهبا افتداء محققا بأن يقدر على هذا الأمر العظيم ويسلمه وينجزه اختيارا ومع ذلك لا يقبل منه، فمجرد قوله أبذل المال وأقدر عليه أو ما يجري
(٤٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 430 437 440 441 443 444 445 446 447 448 449 ... » »»