الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٣٧٥
رونق الحق وطلاوة الصواب لوجوه: الأول أن الذي بيده عقدة النكاح ثابتة مستقرة هو الولي، وأما الزوج فله ذلك حالة العقد المتقدم خاصة ثم هو بعد الطلاق، والكلام حينئذ ليس من عقدة النكاح في شئ البتة. فإن قيل أطلق عليه ذلك بعد الطلاق بتأويل كان مقدرة فلا يخفى على المنصف ما في ذلك من البعد والخروج عن حد إطلاق الكلام وأصله. الثاني أن الخطاب الأول للزوجات اتفاقا بقوله - إلا أن يعفون - وفيهن من لاعفو لها البتة كالأمة والبكر، فلولا استتمام التقسيم بصرف الثاني إلى الولي على ابنته البكر أو أمته وإلا لزم الخروج عن ظاهر عموم الأول، وحيث حمل الكلام على الولي صار الكلام بمعنى إلا أن يعفون إن كن أهلا للعفو، أو يعفو لهن إن لم يكن أهلا ولهذا كان الولي الذي يعفو ويعتبر عفوه عند مالك هو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته خاصة. الثالث أن الكتاب العزيز جدير بتناسب الأقسام وانتظام أطراف الكلام، والامر فيه على هذا المحمل بهذه المثابة، فان الآية حينئذ مشتملة على خطاب الزوجات ثم الأولياء ثم الأزواج بقوله - ولا تنسوا الفضل بينكم - فتكون على هذا الوجه مليئة بالفوائد جامعة للمقاصد. الرابع أن المضاف إلى صاحب عقدة النكاح العفو كما هو مضاف إلى الزوجات. والعفو الاسقاط لغة وهو المراد في الأول اتفاقا، إذ المضاف إلى الزوجات هو الاسقاط بلا ريب ولو كان المراد بصاحب العقدة الزوج لتعين حمل العفو على تكميل المهر وإعطائه مالا يستحق عليه، وهذا إنما يطابقه من الأسماء التفضل، ومن ثم قال في خطاب الأزواج - ولا تنسوا الفضل بينكم - لان المبذول من جهته غير مستحق عليه فهو فضل لاعفو. ولا يقال لعل الزوج تعجل المهر كاملا قبل الطلاق وطلق فيجب استرجاع النصف فيسقطه ويعفو عنه، وحينئذ يبقى العفو من جانب الزوج على ظاهره وحقيقته. لأنا نقول: حسبنا في رد هذا الوجه ما فيه من الكلفة وتقدير ما الأصل خلافه. الخامس أن صدر الآية خطاب الزواج في قوله - وإن طلقتموهن - إلى قوله - فرضتم - فلو جاء قوله - أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح - مرادا به الزوج لكان عدولا
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 372 373 374 375 376 379 380 381 382 ... » »»