تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٦١٩
وإنما جاء منكرا للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة، خارج عن العادة. والعامل في (يوم): (فليأتوا)، أو: هو على: يوم يكشف عن ساق يكون كيت وكيت، فحذف للتهويل والتنبيه على أن ثم من الكوائن ما لا يوصف لعظمته (ويدعون إلى السجود) تعنيفا لا تكليفا (فلا يستطيعون) حيل بينهم وبين الاستطاعة تحسيرا لهم وتنديما على ما فرطوا فيه حين دعوا إلى السجود وهم سالمو الأصلاب والمفاصل متمكنون. وفي الحديث: " يبقى أصلابهم طبقا واحدا " (1) أي: فقارة واحدة لا تثنى.
(فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث) يعني: القرآن، يقال: ذرني وإياه، أي:
كله إلي فإني سأكفيكه، والمراد: حسبي مجازيا لمن يكذب بكتابي، فلا تشغل قلبك بشأنه.
وفي الأثر: " كم من مستدرج بالإحسان إليه! وكم من مغرور بالستر عليه!
وكم من مفتون بحسن القول فيه! " (2).
سمى جل اسمه إحسانه وتمكينه كيدا، كما سماه استدراجا وهو الاستنزال إلى الهلاك درجة درجة حتى يتورط فيه، لكون ذلك في صورة الكيد من حيث كان السبب في الهلاك.
والمغرم: الغرامة، أي: لم تطلب منهم على الهداية والتعليم (أجرا) فيثقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم فثبطهم ذلك عن الإيمان.
(أم عندهم الغيب) أي: اللوح المحفوظ (فهم يكتبون) منه ما يحكمون به (فاصبر لحكم ربك) هو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم (ولا تكن كصاحب الحوت) يونس (عليه السلام) (إذ نادى) في بطن الحوت (وهو مكظوم) مملو غما من:

(1) رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 595 بهذا اللفظ مرسلا.
(2) المأثور عن الحسن البصري. راجع تفسيره: ج 2 ص 361.
(٦١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 614 615 616 617 618 619 620 621 622 623 624 ... » »»