تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٣٩٩
بالقول كجهر بعضكم لبعض) أي: لا تجهروا له جهرا مثل جهر بعضكم لبعض، وهذا يدل على أنهم نهوا عن جهر موصوف بمماثلة ما قد اعتادوه منه فيما بينهم، وهو أن يكون خاليا من مراعاة حشمة النبوة وجلالة مقدارها، وقيل: معناه: ولا تقولوا: يا محمد يا أحمد، كما يخاطب بعضكم بعضا، بل خاطبوه بالتعظيم وقولوا:
يا رسول الله (1).
وعن ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وكان في أذنه وقر، وكان جهوري الصوت، فكان إذا كلمه رفع صوته وربما تأذى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بصوته (2).
وعن أنس: لما نزلت الآية فقد ثابت، فتفقده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبر بشأنه، فدعاه فسأله، فقال: يا رسول الله، لقد أنزلت هذه الآية وإني رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لست هناك، إنك تعيش بخير وتموت بخير وإنك من أهل الجنة " (3).
(أن تحبط أعملكم) مفعول له، ومعناه: انتهوا عما نهيتم عنه لحبوط أعمالكم أي: لخشية حبوطها، فحذف المضاف (وأنتم لا تشعرون) أن أعمالكم حبطت.
(إن الذين يغضون أصوتهم) أي: يخفضونها عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إجلالا له (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم) أي: اختبرها فأخلصها (للتقوى) من قولهم:

(١) قاله الفراء في معاني القرآن: ج ٣ ص ٧٠، والزجاج أيضا في معاني القرآن وإعرابه: ج 5 ص 32.
(2) رواه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 353.
(3) أخرجه عنه السيوطي في الدر المنثور: ج 7 ص 548 وعزاه إلى أحمد والبخاري ومسلم وأبو يعلى والبغوي وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي.
(٣٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 397 398 399 400 401 402 403 404 ... » »»