تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٣٨٧
﴿في قلوبهم الرعب﴾ (1) فنكصوا، وقيل: يريد أيدي أهل مكة بصلح الحديبية (2) (ولتكون) هذه الكفة والهدنة والغنيمة التي عجلت (ءاية للمؤمنين) وعبرة يعرفون بها أنهم من الله بمكان، وأنه ضامن نصرهم والفتح عليهم، وذلك لأن الصلح وقع: على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس، وعلى أن من قدم مكة من المسلمين فهو آمن على دمه وماله، ومن قدم المدينة من قريش فهو آمن على دمه وماله، ومن أحب أن يدخل في عقد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فقالت خزاعة: نحن في عقد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعهده، وقالت كنانة: نحن في عقد قريش، فقال سهيل بن عمرو لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): على أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، ومن جاءنا ممن معك لا نرده عليك، فقال المسلمون: سبحان الله!
كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فقال (عليه السلام): من جاءهم منا فأبعده الله، ومن جاءنا منهم رددناه إليهم ولو علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجا، فقال سهيل: وعلى أنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل مكة، فإذا كان العام القابل خرجنا عنها لك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا فلا تدخلها بالسلاح إلا والسيوف في القراب، وعلى أن هذا الهدي حيث ما حسبناه محله لا تقدمه علينا، فقال (عليه السلام): نحن نسوق وأنتم تردون؟! قال عمر بن الخطاب: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: ألست نبي الله؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ فقال: بلى، قلت: فلم تعطي الدنية في ديننا إذا؟
قال: إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري، قلت: أولست كنت تحدثنا أنا

(١) الأحزاب: ٢٦، الحشر: ٢.
(٢) قاله أنس وعبد الله بن مغفل المزني والكلبي. راجع تفسير القرطبي: ج ١٦ ص ٢٨١.
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»