تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٢٩٢
المجرمون، لأن إصابة السيئة (بما قدمت أيديهم) لا يستقيم إلا فيهم، والمراد بالرحمة: النعمة من الصحة والعافية والغنى والأمن، وبالسيئة: البلاء من القحط والمرض والفقر والمخاوف، والكفور: البليغ في الكفران، ولم يقل: فإنه كفور ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم كما قال: (إن الانسن لظلوم كفار) (١)، ﴿إن الانسن لربه لكنود﴾ (2) أي: يذكر البلاء وينسى النعم.
ولما ذكر سبحانه إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها عقب ذلك بأن له (ملك السموت والارض) وأنه يقسم كيف شاء النعمة والبلاء، و (يهب) كيف أراد لعباده الأولاد فيخص بعضهم بالإناث، وبعضهم بالذكور، وبعضهم بالصنفين جميعا، ويعقم منهم من يشاء فلا يهب له ولدا.
(وما كان لبشر) وما صح لأحد من البشر (أن يكلمه الله) إلا على أحد ثلاثة أوجه: إما على طريق الوحي وهو الإلهام والقذف في القلب أو المنام، كما أوحى إلى أم موسى، وإلى إبراهيم في ذبح ولده، وأوحى إلى داود الزبور في صدره، وإما أن يسمعه كلامه الذي يحدثه في بعض الأجرام من غير أن يبصر السامع من يكلمه، لأنه في ذاته غير مرئي، وقوله: (من ورآء حجاب) مثل أي:
كما يكلم الملك المحتجب بعض خواصه وهو من وراء حجاب فيسمع صوته ولا يرى شخصه، وذلك كما كلم سبحانه موسى ويكلم الملائكة، وإما على أن يرسل إليه رسولا من الملائكة فيوحي الملك إليه، كما كلم غير موسى من الأنبياء على ألسنتهم وقيل: (وحيا) كما أوحى إلى الرسل بواسطة الملك، أو يرسل رسولا نبيا كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم (3)، و (وحيا) و " أن يرسل " مصدران وقعا موقع الحال، كما يقال: جئت ركضا، و: أتيت مشيا، لأن " أن يرسل " في معنى

(١) إبراهيم: ٣٤.
(٢) العاديات: ٦.
(3) حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 233.
(٢٩٢)
مفاتيح البحث: الزمخشري (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 295 296 297 298 ... » »»