فأعلم أنهم عاجزون عن تدبير مصالحهم في دنياهم، وأنه سبحانه قسم بينهم معيشتهم وقدرها، وفضل بعضهم على بعض فيها فجعل منهم أغنياء ومحاويج، وأقوياء وضعفاء، ليستخدم (بعضهم بعضا) وليسخروهم في أشغالهم حتى يصلوا إلى منافعهم، ولم يولهم ذلك التدبير ولم يفوضه إليهم مع قلة خطره، فكيف يكون اختيار النبوة إليهم مع جلالة قدرها وعظم خطرها وكونها رحمة الله الكبرى؟ ثم قال: (ورحمت ربك) يريد: وهذه الرحمة التي هي دين الله وما يتبعه من الفوز والثواب (خير مما) يجمع هؤلاء من حطام الدنيا.
ثم أخبر سبحانه عن هوان الدنيا وقلة خطرها عنده فقال: (ولولا أن يكون الناس أمة وحدة) أي: لولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر (لجعلنا) للكفار سقوفا ومصاعد، و (أبوبا وسررا) من فضة (و) جعلنا لهم (زخرفا) أي: زينة من كل شيء، والزخرف: الذهب والزينة. ويجوز أن يكون الأصل: " سقفا من فضة وزخرف " يعني: بعضها من فضة وبعضها من ذهب، فنصب (زخرفا) عطفا على محل (من فضة). وقوله: (لبيوتهم) بدل اشتمال من قوله: (لمن يكفر) وقرئ: " سقفا " بفتح السين وسكون القاف (١)، و (سقفا) بضمهما، جمع سقف ك " رهن " و " رهن "، و (معارج) جمع معرج، أو: اسم جمع لمعراج وهي المصاعد إلى العلالي، (عليها يظهرون) أي: على المعارج، يظهرون السطوح:
يعلونها كما في قوله: ﴿فما اسطعوا أن يظهروه﴾ (2) وقرئ (لما) بالتخفيف (3) والتشديد، فالتخفيف على أن اللام هي المفارقة بين النفي والإثبات، و (إن)