تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٢٩٠
(وجزؤا سيئة سيئة مثلها) سمى سبحانه كلتا الفعلتين: الأولى وجزاءها سيئة؛ لأنها تسوء من تنزل به. ومعناه: أنه إذا قوبلت الإساءة وجب أن يقابل بمثلها من غير زيادة (فمن عفا) عما له المؤاخذة به (وأصلح) أمره فيما بينه وبين ربه، أو: بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء (فأجره على الله) عدة مبهمة لا يحاط بكنهها في العظم (إنه لا يحب الظلمين) فيه دلالة على أن الانتصار لا يؤمن فيه تجاوز النصفة والسوية والاعتداء، ولا سيما في حال الغضب، فربما كان المنتصر ظالما من حيث لا يشعر.
وفي الحديث: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: من كان أجره على الله فليدخل الجنة، فيقال: من ذا الذي أجره على الله؟ فيقال: العافون عن الناس يدخلون الجنة بغير حساب " (1).
(بعد ظلمه) أضاف المصدر إلى المفعول، أي: بعد أن ظلم وتعدي عليه (فأولئك) إشارة إلى معنى " من " دون لفظه (ما عليهم من سبيل) للمعاقب ولا للعائب (إنما السبيل) أي: العقاب والذم (على الذين يظلمون الناس) ابتداء.
(ولمن صبر) على الظلم والأذى (وغفر) ولم ينتصر (إن ذلك) الصبر والمغفرة منه (لمن عزم الامور) وحذف الراجع؛ للعلم به كما حذف من قولهم: السمن منوان بدرهم، و عزم الأمور: هو الأخذ بأعلاها في باب نيل الثواب والأ جر.
(خشعين) متواضعين متضائلين مما يلحقهم (من الذل ينظرون من طرف خفي) أي: يبتدئ نظرهم من تحريك ضعيف لأجفانهم، خفي بمسارقة، كما ترى المصبور (2) ينظر إلى السيف لا يملأ أجفانه منه كما يفعله الناظر إلى

(1) أخرجه السيوطي في الدر: ج 7 ص 359 وعزاه إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أنس.
(2) المصبور: المحبوس للقتل (لسان العرب: مادة صبر).
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 295 296 ... » »»