تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٢٩٧
منه تنقل وتستنسخ (لعلى) أي: عال رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزا من بينها، (حكيم) ذو حكمة بالغة، أي: منزلته عندنا منزلة كتاب هما صفتاه، وهو مثبت في أم الكتاب هكذا.
(أفنضرب عنكم الذكر) أي: أفننحي (1) عنكم الذكر ونذوده عنكم على سبيل المجاز، من قولهم: " ضرب الغرائب عن الحوض " (2) والفاء للعطف على محذوف تقديره: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر (صفحا) على وجهين: إما مصدر من: صفح عنه إذا أعرض، انتصب على أنه مفعول له على معنى: أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة إعراضا عنكم، وإما بمعنى الجانب فانتصب على الظرف كما تقول: فلان يمشي جانبا (أن كنتم) لان كنتم. وقرئ " إن كنتم " (3) وإنما استقام معنى الشرط وقد كانوا (مسرفين) على القطع، لأنه من الشرط الذي يصدر عن المدل أي: المظهر بصحة الأمر المتحقق لثبوته، كما يقول الأجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي، وهو عالم بذلك ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه استجهالا له.
(وما يأتيهم) حكاية حال ماضية مستمرة، وهي تسلية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن استهزاء قومه. الضمير في (أشد منهم) للمسرفين، لأنه صرف الخطاب عنهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبره عنهم (ومضى مثل الأولين) أي: سلف في القرآن في مواضع منه ذكر قصتهم التي سارت مسير المثل، وهذا وعد لرسول الله ووعيد

(1) في نسخة: " أفنحمي ".
(2) في المجمع: " ضربه ضرب غرائب الإبل " وذلك أن الغريبة تزدحم على الحياض عند الورود، وصاحب الحوض يطردها ويضربها بسبب إبله. والمثل يضرب في دفع الظالم عن ظلمه بأشد ما يمكن. راجع مجمع الأمثال: ج 1 ص 432.
(3) قرأه نافع وحمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 584.
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»