الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٤٣
بكرة وأصيلا. إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما.
سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا.
____________________
صلى الله عليه وسلم ولأمته. وقرئ وتعزروه بضم الزاي وكسرها، وتعزروه بضم التاء والتخفيف، وتعزروه بالزايين، وتوقروه من أوقره بمعنى وقره، وتسبحوا الله (بكرة وأصيلا) عن ابن عباس رضي الله عنهما صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر. لما قال (إنما يبايعون الله) أكده تأكيدا على طريق التخييل فقال (يد الله فوق أيديهم) يريد أن يد رسول الله التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله. والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام، وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما كقوله تعالى - من يطع الرسول فقد أطاع الله - والمراد بيعة الرضوان (فإنما ينكث على نفسه) فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه. قال جابر ابن عبد الله رضي الله عنه " بايعنا رسول الله تحت الشجرة على الموت وعلى أن لا نفر، فما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس، وكان منافقا اختبأ تحت إبط بعيره ولم يسر مع القوم " وقرئ إنما يبايعون لله: أي لأجل الله ولوجهه وقرئ ينكث بضم الكاف وكسرها. وبما عاهد وعهد (فسنؤتيه) بالنون والياء. يقال وفيت بالعهد وأوفيت به وهى لغة تهامة ومنها قوله تعالى - أوفوا بالعقود - والموفون بعهدهم - هم الذين خلفوا عن الحديبية وهم أعراب غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم والديل، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدى ليعلم أنه لا يريد حربا، فتثاقل كثير من الأعراب وقالوا: يذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فيقاتلهم، وظنوا أنه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة، واعتلوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم وأنه ليس لهم من يقوم بأشغالهم. وقرئ شغلتنا بالتشديد (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) تكذيب لهم في اعتذارهم وأن الذي خلفهم ليس بما يقولون وإنما هو الشك في الله والنفاق. وطلبهم للاستغفار أيضا ليس بصادر عن حقيقة (فمن يملك لكم) فمن يمنعكم من مشيئة الله وقضائه (إن أراد بكم) ما يضركم من قتل أو هزيمة (أو أراد بكم نفعا) من ظفر وغنيمة. وقرئ ضرا بالفتح
(٥٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 548 ... » »»