الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٩٦
* وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون * لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون * إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون * لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون * وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين * ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون * لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون * أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون
____________________
النعم لأنها إما مشتهاة في القلوب، وإما مستلذة في العيون (وتلك) إشارة إلى الجنة المذكورة، وهى مبتدأ، و (الجنة) خبر، و (التي أورثتموها) صفة الجنة أو الجنة صفة للمبتدأ الذي هو اسم الإشارة، والتي أورثتموها خبر المبتدأ، أو التي أورثتموها صفة، أو (بما كنتم تعملون) الخير، والباء تتعلق بمحذوف كما في الظروف التي تقع أخبارا، وفي الوجه الأول تتعلق بأورثتموها وشبهت في بقائها على أهلها بالميراث الباقي على الورثة.
وقرئ ورثتموها (منها تأكلون) من للتبعيض: أي لا تأكلون إلا بعضها وأعقابها باقية في شجرها فهي مزينة بالثمار أبدا موقرة بها لا ترى شجرة عريانة من ثمرها كما في الدنيا، وعن النبي صلى الله عليه وسلم " لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها إلا نبت مكانها مثلها " (لا يفتر عنهم) لا يخفف ولا ينقص من قولهم فترت عنه الحمى إذا سكنت عنه قليلا ونقص حرها. والمبلس اليائس الساكت سكوت يأس من فرج. وعن الضحاك: يجعل المجرم في تابوت من نار ثم يردم عليه فيبقى فيه خالدا لا يرى ولا يرى (هم) فصل عند البصريين عماد عند الكوفيين. وقرئ وهم فيها:
أي في النار. وقرأ على وابن مسعود رضي الله عنهما يا مال بحذف الكاف للترخيم كقول القائل:
* والحق يا مال غير ما تصف * وقيل لابن عباس: إن ابن مسعود قرأ ونادوا يا مال فقال: ما أشغل أهل النار عن الترخيم. وعن بعضهم حسن الترخيم أنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وعظم ما هم فيه. وقرأ أبو السرار الغنوي يا مال بالرفع كما يقال يا حار (ليقض علينا ربك) من قضى عليه إذا أماته - فوكزه موسى فقضى عليه - والمعنى سل ربك أن يقضى علينا. فإن قلت: كيف قال ونادوا يا مالك بعد ما وصفهم بالإبلاس؟ قلت: تلك أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتا لغلبة اليأس عليهم وعلمهم أنه لافرج لهم ويغوثون أوقاتا لشدة ما بهم (ماكثون) لابثون، وفيه استهزاء والمراد خالدون. عن ابن عباس رضي الله عنهما:
إنما يجيبهم بعد ألف سنة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيقولون ادعوا مالكا، فيدعون يا مالك ليقض علينا ربك " (لقد جئناكم بالحق) كلام الله عز وجل بدليل قراءة من قرأ لقد جئتكم، ويجب أن يكون في قال ضمير الله عز وجل لما سألوا مالكا أن يسأل الله تعالى القضاء عليهم أجابهم الله بذلك (كارهون) لا تقبلونه وتنفرون منه وتشمئزون منه لأن مع الباطل الدعة ومع الحق التعب (أم) أبرم مشركو مكة (أمرا) من كيدهم ومكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنا مبرمون) كيدنا كما أبوموا كيدهم كقوله تعالى - أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون - وكانوا يتنادون فيتناجون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: ما المراد بالسر والنجوى؟ قلت: السر ما حدث به الرجل نفسه
(٤٩٦)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 501 ... » »»