الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٣٩
وعليها وعلى الفلك تحملون * ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون * أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون * فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون * فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين
____________________
بلوغ الحاجة الهجرة من بلد إلى بلد لإقامة دين أو طلب علم، وهذه أغراض دينية إما واجبة أو مندوب إليها مما يتعلق به إرادة الحكيم، وأما الأكل وإصابة المنافع فمن جنس المباح الذي لا يتعلق به إرادته، ومعنى قوله (وعليها وعلى الفلك تحملون) وعلى الأنعام وحدها لا تحملون ولكن عليها وعلى الفلك في البر والبحر. فإن قلت: هلا قيل وفي الفلك كما قال - قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين - قلت: معنى الإيعاء ومعنى الاستعلاء كلاهما مستقيم، لأن الفلك وعاء لمن يكون فيها حمولة له يستعليها فلما صح المعنيان صحت العبارتان وأيضا فليطابق قوله وعليها ويزاوجه (فأي آيات الله) جاءت على اللغة المستفيضة، وقولك فأية آيات الله قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب، وهى في أي أغرب لإبهامه (وآثارا) قصورهم ومصانعهم، وقيل مشيهم بأرجلهم لعظم أجرامهم (فما أغنى عنهم) ما نافية أو مضمنة معنى الاستفهام ومحلها النصب، والثانية موصولة أو مصدرية ومحلها الرفع: يعنى أي شئ أغنى عنهم مكسوبهم أو كسبهم (فرحوا بما عندهم من العلم) فيه وجوه: منها أنه أراد العلم الوارد على طريق التهكم في قوله تعالى - بل ادارك علمهم في الآخرة - وعلمهم في الآخرة أنهم كانوا يقولون لانبعث ولا نعذب - وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربى إن لي عنده للحسنى - وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا - وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به البينات وعلم الأنبياء كما قال عز وجل - كل حزب بما لديهم فرحون - ومنها أن يريد علم الفلاسفة والدهريين من بنى يونان، وكانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم. وعن سقراط أنه سمع بموسى صلوات الله عليه وسلامه، وقيل له لو هاجرت إليه فقال: نحن قوم مهذبون فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا. ومنها أن يوضع قوله فرحوا بما عندهم من العلم - ولا علم عندهم البتة موضع قوله لم يفرحوا بما جاءهم من العلم مبالغة في نفى فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والمسرة مع تهكم بفرط جهلهم وخلوهم من العلماء. ومنها أن يراد فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء كأنه قال: استهزءوا بالبينات وبما جاءوا به من علم الوحي فرحين مرحين، ويدل عليه قوله تعالى - وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون -. ومنها أن يجعل الفرح للرسل ومعناه أن الرسل لما رأوا جهلهم المتمادي واستهزاءهم بالحق أبا وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم فرحوا بما أوتوا من العلم
(٤٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 ... » »»