الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٩٠
وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون * ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين * قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا
____________________
أين الذين ألحقتم به شركاء من هذه الصفات، وهو راجع إلى الله وحده أو ضمير الشأن كما في قوله تعالى - قل هو الله أحد - (إلا كافة للناس) إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم، لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم.
وقال الزجاج: المعنى أرسلناك جامعا للناس في الانذار والابلاغ، فجعله حالا من الكاف وحق التاء على هذا أن تكون للمبالغة كتاء الرواية والعلامة، ومن جعله حالا من المجرور متقدما عليه فقد أخطأ، لان تقدم حال المجرور عليه في الإحالة بمنزلة تقدم المجرور على الجار. وكم ترى ممن يرتكب هذا الخطأ ثم لا يقنع به حتى يضم إليه أن يجعل اللام بمعنى إلى لأنه لا يستوى له الخطأ الأول إلا بالخطأ الثاني فلابد له من ارتكاب الخطأين. قرئ ميعاد يوم وميعاد يوم وميعاد يوما. والميعاد ظرف الوعد من مكان أو زمان وهو ههنا الزمان، والدليل عليه قراءة من قرأ ميعاد يوم فأبدل منه اليوم. فإن قلت: فما تأويل من أضافه إلى يوم أو نصب يوما؟ قلت: أما الإضافة فإضافة تبيين كما تقول سحق ثوب وبعير سانية، وأما نصب اليوم فعلى التعظيم بإضمار فعل تقديره لكن ميعاد: أعني يوما أو أريد يوما من صفته كيت وكيت. ويجوز أن يكون الرفع على هذا أعني التعظيم. فإن قلت: كيف انطبق هذا جوابا على سؤالهم؟ قلت: ما سألوا عن ذلك وهم منكرون له إلا تعنتا لا استرشادا، فجاء الجواب على طريق التهديد مطابقا لمجئ السؤال على سبيل الانكار والتعنت، وأنهم مرصدون ليوم يفاجئهم فلا يستطيعون تأخرا عنه ولا تقدما عليه. الذي بين يديه ما نزل قبل القرآن من كتب الله. يروى أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب فأخبروهم أنهم يجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم، فأغضبهم ذلك وقرنوا إلى القرآن جميع ما تقدمه من كتب الله عز وجل في الكفر فكفروا بها جميعا. وقيل الذي بين يديه يوم القيامة، والمعنى: أنهم جحدوا أن يكون القرآن من الله تعالى وأن يكون لما دل عليه من الإعادة للجزاء حقيقة. ثم أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة فقال لرسوله عليه الصلاة والسلام أو للمخاطب (ولو ترى) في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحادثة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجيب فحذف الجواب. والمستضعفون هم الاتباع. والمستكبرون هم الرؤوس والمقدمون أولى الاسم أعني نحن حرف الانكار، لان الغرض إنكار أن يكونوا هم الصادين لهم عن الايمان، وإثبات أنهم هم الذين صدوا بأنفسهم عنه وأنهم أتوا من قبل اختيارهم كأنهم قالوا: أنحن أجبرناكم وحلنا بينكم وبين كونكم ممكنين
(٢٩٠)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»