الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٦٢
الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا
____________________
رأيهم تبعا لرأيه واختيارهم تلوا لاختياره. فإن قلت: كان من حق الضمير أن يوحد كما تقول ما جاءني من رجل ولا امرأة إلا كان من شانه كذا. قلت: نعم ولكنهما وقعا تحت النفي فعما كل مؤمن ومؤمنة فرجع الضمير على المعنى لا على اللفظ. وقرئ يكون بالتاء والياء، و (الخيرة) ما يتخير (للذي أنعم الله عليه) بالإسلام الذي هو أجل النعم وبتوفيقك لعتقه ومحبته واختصاصه (وأنعمت عليه) بما وفقك الله فيه فهو متقلب في نعمة الله ونعمة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو زيد بن حارثة (أمسك عليك زوجك) يعني زينب بنت جحش رضي الله عنها " وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصرها بعد ما أنكحها إياه فوقعت في نفسه فقال: سبحان الله مقلب القلوب.
وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها ولو أرادتها لاختطبها، وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أريد أن أفارق صاحبتي؟ فقال: مالك أرابك منها شئ؟ قال: لا والله ما رأيت منها إلا خيرا، ولكنها تتعظم علي لشرفها وتؤذيني، فقال له: أمسك عليك زوجك واتق الله ثم طلقها بعد، فلما أعتدت قال هي تخمر عجينتها، فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري وقلت: يا زينب أبشري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبك، ففرحت وقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن - زوجناكها - فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بها، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها، ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار ". فإن قلت: ما أريد بقوله (واتق الله). قلت: أراد واتق الله فلا تطلقها، وقصد نهى تنزيه لا تحريم لان الأولى أن لا يطلق. وقيل أراد واتق الله فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وأذى الزوج. فإن قلت: ما الذي أخفى في نفسه؟ قلت: تعلق قلبه بها، وقيل مودة مفارقة زيد إياها، وقيل علمه بأن زيدا سيطلقها وسينكحها لان الله قد أعلمه بذلك. وعن عائشة رضي الله عنها: لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحى إليه لكتم هذه الآية. فإن قلت: فماذا أراد الله منه أن يقوله حين قال له زيدا أريد مفارقتها وكان من الهجنة أن يقول له افعل فإني أريد نكاحها؟ قلت: كأن الذي أراد منه عز وجل أن يصمت عند ذلك أو يقول له أنت أعلم بشأنك حتى لا يخالف سره في ذلك علانيته لان الله يريد من الأنبياء تساوى الظاهر والباطن والتصلب في الأمور والتجاوب في الأحوال والاستمرار على طريقة مستتبة كما جاء في حديث إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن أبي سرح واعتراض عثمان بشفاعته له أن عمر قال له: لقد كان عيني إلى عينك هل تشير إلي فأقتله؟ فقال: إن الأنبياء لا تومض ظاهرهم وباطنهم واحد. فإن قلت: كيف عاتبه الله في ستر ما استهجن التصريح به ولا يستهجن النبي صلى الله عليه وسلم التصريح بشئ إلا والشئ في نفسه مستهجن، وقالة الناس لا تتعلق إلا بما يستقبح في العقول
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»