الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٦٥
* يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور
____________________
ولكن نبيا ختم النبيين. فإن قلت: كيف كان آخر الأنبياء وعيسى ينزل في آخر الزمان؟ قلت: معنى كونه آخر الأنبياء أنه لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبئ قبله، وحين ينزل ينزل عاملا على شريعة محمد مصليا إلى قبلته كأنه بعض أمته (اذكروا الله) أثنوا عليه بضروب الثناء من التقديس والتحميد والتهليل والتكبير وما هو أهله، وأكثروا ذلك (بكرة وأصيلا) أي في كافة الأوقات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذكر الله على فم كل مسلم " وروى " في قلب كل مسلم " وعن قتادة " قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " وعن مجاهد: هذه كلمات يقولها الطاهر والجنب، والفعلان: أعني أذكروا وسبحوا موجهان إلى البكرة والأصيل كقولك صم وصل يوم الجمعة. والتسبيح من جملة الذكر، وإنما اختصه من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة ليبين فضله على سائر الاذكار لان معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والافعال وتبرئته من القبائح. ومثال فضله على غيره من الاذكار فضل وصف العبد بالنزاهة من أدناس المعاصي والطهر من أرجاس المآثم على سائر أوصافه من كثرة الصلاة والصيام والتوفر على الطاعات كلها والاشتمال على العلوم والاشتهار بالفضائل، ويجوز أن يريد بالذكر وإكثاره تكثير الطاعات والاقبال على العبادات، فإن كل طاعة وكل خير من جملة الذكر ثم خص من ذلك التسبيح. بكرة وأصيلا وهي الصلاة في جميع أوقاتها لفضل الصلاة على غيرها، أو صلاة الفجر والعشاءين لان أداءها أشق ومراعاتها أشد. لما كان من شأن المصلي أن ينعطف في ركوعه وسجوده أستعير لمن ينعطف على غيره حنوا عليه وترؤفا كعائد المريض في انعطافه عليه والمرأة في حنوها على ولدها، ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف، ومنه قولهم صلى الله عليك: أي ترحم عليك وترأف. فإن قلت: قوله (هو الذي يصلي عليكم) إن فسرته بيترحم عليكم ويترأف فما تصنع بقوله (وملائكته) وما معنى صلاتهم؟ قلت: هي قوله اللهم صلى على المؤمنين، جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة، ونظيره قولك حياك الله: أي أحياك وأبقاك، وحييتك: أي دعوت لك بأن يحييك الله لأنك لاتكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة وكذلك عمرك الله وعمرتك وسقاك الله وسقيتك، وعليه قوله تعالى - إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها النبي الذين آمنوا صلوا عليه - أي ادعوا الله بأن يصلى عليه، والمعنى: هو الذي يترحم عليكم ويترأف حيث يدعوكم إلى الخير ويأمركم بإكثار الذكر والتوفر على الصلاة والطاعة (ليخرجكم من) ظلمات
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»