الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢١١
لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم * ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون * الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شئ عليم ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون * وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان
____________________
وعلى الطاعات وعن المعاصي ولم يتوكلوا في جميع ذلك إلا على الله. لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلم بمكة بالهجرة خافوا الفقر والضيعة فكان يقول الرجل منهم: كيف أقدم بلدة ليست لي فيها معيشة؟ فنزلت.
والدابة: كل نفس دبت على وجه الأرض عقلت أو لم تعقل (لا تحمل رزقها) لا تطيق أن تحمله لضعفها عن حمله (الله يرزقها وإياكم) أي لا يرزق تلك الدواب الضعاف إلا الله ولا يرزقكم أيضا أيها الأقوياء إلا هو وإن كنتم مطيقين لحمل أرزاقكم وكسبها، لأنه لو لم يقدركم ولم يقدر لكم أسباب الكسب لكنتم أعجز من الدواب التي لا تحمل. وعن الحسن لا تحمل رزقها:
لا تدخره إنما تصبح فيرزقها الله. وعن ابن عيينة: ليس شئ يخبأ إلا الإنسان، والنملة، والفأرة. وعن بعضهم: رأيت البلبل يحتكر في حضنيه ويقال للعقعق مخابئ إلا أنه ينساها (وهو السميع) لقولكم نخشى الفقر والضيعة (العليم) بما في ضمائركم. والضمير في (سألتهم) لأهل مكة (فأنى يؤفكون) فكيف يصرفون عن توحيد الله وأن لا يشركوا به مع إقرارهم بأنه خالق السماوات والأرض. قدر الرزق وقتره بمعنى إذا ضيقه. فإن قلت: الذي رجع إليه الضمير في قوله (ويقدر له) هو من يشاء فكان بسط الرزق وقدره جعلا لواحد. قلت: يحتمل الوجهين جميعا أن يريد ويقدر لمن يشاء، فوضع الضمير موضع من يشاء لان من يشاء مبهم غير معين فكان الضمير منهما مثله وأن يريد تعاقب الامرين على واحد على حسب المصلحة (إن الله بكل شئ عليم) يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم. استحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه ممن أقر بنحو ما قروا به، ثم نفعه ذلك في توحيد الله ونفي الأنداد والشركاء عنه ولم يكن إقرارا عاطلا كإقرار المشركين وعلى أنهم أقروا بما هو حجة عليهم حيث نسبوا النعمة إلى الله وقد جعلوا العبادة للصنم ثم قال (بل أكثرهم لا يعقلون) ما يقولون، وما فيه من الدلالة على بطلان الشرك وصحة التوحيد أولا يعقلون ما تريد بقولك الحمد لله ولا يفطنون لم حمدت الله عند مقالتهم (هذه) فيها أزدراد للدنيا وتصغير لأمرها وكيف لا يصغرها وهي لا تزن عنده جناح بعوضة. يريد ما هي لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها إلا كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) أي لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها إلا كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) أي ليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة خالدة لا موت فيها فكأنها في ذاتها حياة، والحيوان مصدر حيى وقياسه حييان
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»