____________________
فقلبت الياء الثانية واو كما قالوا حياة في اسم رجل وبه سمى ما فيه حياة حيوانا، قالوا: اشتر من الموتان ولا تشتر من الحيوان، وفي بناء الحيوان زيادة معنى ليس في بناء الحياة وهي ما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب كالنزوان والنغضان واللهبان وما أشبه ذلك، والحياة حركة كما أن الموت سكون، فمجيئه على بناء دال على معنى الحركة مبالغة في معنى الحياة ولذلك اختيرت على الحياة في هذا الموضع المقتضى للمبالغة (لو كانوا يعلمون) فلم يؤثروا الحياة الدنيا عليها. فإن قلت: بم اتصل قوله فإذا ركبوا؟ قلت: بمحذوف دل عليه ما وصفهم به وشرح من أمرهم، معناه هم على ما وصفوا به من الشرك والعناد (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) كائنين في صورة من يخلص الدين لله من المؤمنين حيث لا يذكرون الا الله ولا يدعون معه إلها آخر، وفي تسميتهم مخلصين ضرب من التحكم (فلما نجاهم إلى البر) وآمنوا عادوا إلى حال الشرك. واللام في (ليكفروا محتملة أن تكون لام كي وكذلك في (وليتمتعوا) فيمن قرأها بالكسر، والمعنى: أنهم يعودون إلى شركهم ليكونوا بالعود إلى شركهم كافرين بنعمة النجاة قاصدين التمتع بها والتلذذ لا غير على خلاف ما هو عادة المؤمنين المخلصين على الحقيقة إذا أنجاهم الله أن يشكروا نعمة الله في إنجائهم ويجعلوا نعمة النجاة ذريعة إلى ازدياد الطاعة لا إلى التمتع والتلذذ، وأن تكون لام الأمر وقراءة من قرأ وليتمتعوا بالسكون تشهد له، ونحوه قوله تعالى - اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير - فإن قلت: كيف جاز أن يأمر الله تعالى بالكفر وبأن يعمل العصاة ما شاءوا وهو ناه عن ذلك ومتوعد عليه؟ قلت: هو مجاز عن الخذلان والتخلية وأن ذلك الامر متسخط إلى غاية، ومثاله أن ترى الرجل قد عزم على أمر وعندك أن ذلك الامر خطأ وأنه يؤدى إلى ضرر عظيم فتبالغ في نصحه واستنزاله عن رأيه، فإذا لم تر منه إلا الاباء والتصميم حردت عليه وقلت أنت وشأنك وافعل ما شئت فلا تريد بهذا حقيقة الامر، وكيف والامر بالشئ مريد له وأنت شديد الكراهة متحسر، ولكنك كأنك تقول له: فإذ قد أبيت قبول النصحية فأنت أهل ليقال لك افعل ما شئت وتبعث عليه ليتبين لك إذا فعلت صحة رأى الناصح وفساد رأيك. كانت العرب حول مكة يغزو بعضهم بعضا ويتغاورون ويتناهبون وأهل مكة قارون آمنون فيها لا يغزون ولا يغار عليهم مع قلتهم وكثرة العرب، فذكرهم الله هذه النعمة الخاصة عليهم ووبخهم بأنهم يؤمنون بالباطل الذي هم عليه ومثل هذه النعمة المكشوفة الظاهرة وغيرها من النعم التي لا يقدر عليها إلا الله وحده مكفورة عندهم. افتراؤهم على الله كذبا زعمهم أن لله شريكا، وتكذيبهم بما جاءهم من الحق كفرهم بالرسول والكتاب. وفي قوله (لما جاءه) تسفيه لهم، يعني لم يتلعثموا في تكذيبه وقت سمعوه ولم يفعلوا كما يفعل المراجيح العقول المتثبتون في الأمور يسمعون الخبر فيستعملون فيه الروية والفكر ويستأنون إلى أن يضح لهم صدقه أو كذبه (أليس) تقرير لثوائهم في جهنم كقوله: