الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٨٥
وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين. أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون.
وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين. إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين.
وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه
____________________
ذكره وأبناءهم من بعدهم (من قبله) من قبل وجوده ونزوله (مسلمين) كائنين على دين الإسلام، لأن الإسلام صفة كل موحد مصدق للوحى (بما صبروا) بصبرهم على الإيمان بالتوراة والإيمان بالقرآن أو بصبرهم على الإيمان بالقرآن قبل نزوله وبعد نزوله، أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب ونحو - يؤتكم كفلين من رحمته - (بالحسنة السيئة) بالطاعة المعصية المتقدمة أو بالحلم الأذى (سلام عليكم) توديع ومتاركة. وعن الحسن رضي الله عنه : كلمة حلم من المؤمنين (لا نبتغي الجاهلين) لا نريد مخالطتهم وصحبتهم. فإن قلت: من خاطبوا بقولهم - ولكم أعمالكم - قلت: اللاغين الذين دل عليهم قوله - وإذا سمعوا اللغو - (لا تهدى من أحببت) لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم لأنك عبد لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره (ولكن الله) يدخل في الإسلام (من يشاء) وهو الذي علم أنه غير مطبوع على قلبه وأن الألطاف تنفع فيه فيقرن به ألطافه حتى تدعوه إلى القبول (وهو أعلم بالمهتدين) بالقابلين من الذين لا يقبلون. قال الزجاج: أجمع المسلمون أنها نزلت في أبى طالب، وذلك أن أبا طالب قال عند موته: يا معشر بني هاشم أطيعوا محمدا وصدقوه تفلحوا وترشدوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عم تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك؟ قال: فما تريد يا ابن أخي؟
قال: أريد منك كلمة واحدة فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا أن تقول: لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله، قال: يا ابن أخي قد علمت إنك لصادق، ولكني أكره أن يقال خرع عند الموت، ولولا أن تكون عليك وعلى بنى أبيك غضاضة ومسبة بعدي لقلتها ولأقررت بها عينك عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك، ولكني سوف أموت على ملة الأشياخ عبد المطلب وهاشم وعبد مناف، قالت قريش - وقيل إن القائل الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف - نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن أتبعناك وخالفنا العرب بذلك، وإنما نحن أكلة رأس: أي قليلون أن يتخطفونا من أرضنا، فألقمهم الله الحجر بأنه مكن لهم في الحرم الذي آمنه بحرمة البيت وآمن قطانه بحرمته، وكانت العرب في الجاهلية حولهم يتغاورون ويتناحرون وهم آمنون في حرمهم لا يخافون وبحرمة البيت هم قارون بواد غير ذي زرع، والثمرات والأرزاق تجبى إليهم من كل أوب، فإذا خولهم الله ما خولهم من الأمن والرزق بحرمة البيت وحدها وهم كفرة عبدة أصنام، فكيف يستقيم أن يعرضهم للتخوف والتخطف ويسلبهم الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام؟ وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة وإلى الحرم مجاز (تجبى إليه) تجلب وتجمع، قرئ بالياء والتاء، وقرئ تجنى بالنون من الجنى وتعديته بإلى كقوله يجنى إلى فيه ويجنى إلى الخافة. وثمرات بضمتين وبضمة وسكون. ومعنى الكلية الكثرة كقوله - وأوتيت من كل شئ -
(١٨٥)
مفاتيح البحث: الصبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»