الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٨٠
واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون. فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين. وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون.
____________________
هذه العبارة أحسن طباقا لفصاحة القرآن وعلو طبقته وأشبه بكلام الجبابرة، وأمر هامان وهو وزيره ورديفه بالإيقاد على الطين منادى باسمه بيافى وسط الكلام دليل التعظيم والتجبر. وعن عمر رضي الله عنه أنه حين سافر إلى الشأم ورأى القصور المشيدة بالآجر فقال: ما علمت أن أحدا بنى بالآجر غير فرعون. والطلوع والاطلاع: الصعود، يقال طلع الجبل واطلع بمعنى. الاستكبار بالحق إنما هو لله تعالى وهو المتكبر على الحقيقة: أي المتبالغ في كبرياء الشأن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكى عن ربه " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار " وكل مستكبر سواه فاستكباره بغير الحق (يرجعون) بالضم والفتح (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) من الكلام الفخم الذي دل به على عظمة شأنه وكبرياء سلطانه، شبههم استحقارا لهم واستقلالا لعددهم وإن كانوا الكثير الكثير والجم الغفير بحصيات أخذهن آخذ في كفه فطرحهن في البحر، ونحو ذلك قوله - وجعلنا فيها رواسي شامخات - وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة - وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه - وما هي إلا تصويرات وتمثيلات لاقتداره وأن كل مقدور وإن عظم وجل فهو مستصغر إلى جنب قدرته. فإن قلت: ما معنى قوله (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار)؟ قلت: معناه ودعوناهم أئمة دعاة إلى النار وقلنا إنهم أئمة دعاة إلى النار، كما يدعى خلفاء الحق أئمة دعاء إلى الجنة، وهو من قولك جعله بخيلا وفاسقا إذا دعاه وقال إنه بخيل وفاسق، ويقول أهل اللغة في تفسير فسقه وبخله: جعله بخيلا وفاسقا، ومنه قوله تعالى - وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا - ومعنى دعوتهم إلى النار: دعوتهم إلى موجباتها من الكفر والمعاصي (ويوم القيامة لا ينصرون) كما ينصر الأئمة الدعاة إلى الجنة، ويجوز خذلناهم حتى كانوا أئمة الكفر،
(١٨٠)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»