الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٨٩
سبحان الله وتعالى عما يشركون. وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون. وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون. ونزعنا من كل أمة شهيدا
____________________
أعلم بمصالحهم من أنفسهم من قولهم في الأمرين ليس فيهما خيرة لمختار. فإن قلت: فأين الراجع من الصلة إلى الموصول إذا جعلت ما موصولة؟ قلت: أصل الكلام ما كان لهم فيه الخيرة فحذف فيه كما حذف منه في قوله - إن ذلك لمن عزم الأمور - لأنه مفهوم (سبحان الله) أي الله برئ من إشراكهم وما يحملهم عليه من الجراءة على الله واختيارهم عليه مالا يختار (ما تكن صدورهم) من عداوة رسول الله وحسده (وما يعلنون) من مطاعنهم فيه وقولهم هلا اختير عليه غيره في النبوة (وهو الله) وهو المستأثر بالإلهية المختص بها، و (لا إله إلا هو) تقرير لذلك كقولك الكعبة القبلة لا قبلة إلا هي. فإن قلت: الحمد في الدنيا ظاهر فما الحمد في الآخرة؟ قلت: هو قولهم - الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، الحمد لله الذي صدقنا وعده، وقيل الحمد لله رب العالمين - والتحميد هناك على وجه اللذة لا الكلفة، وفى الحديث " يلهمون التسبيح والتقديس " (وله الحكم) القضاء بين عباده (أرأيتم) وقرئ أرأيتم بحذف الهمزة وليس بحذف قياسي، ومعناه: أخبروني من يقدر على هذا. والسرمد الدائم المتصل من السرد وهو المتابعة، ومنه قولهم في الأشهر الحرم " ثلاثة سرد وواحد فرد " والميم مزيدة ووزنه فعمل ونظيره دلامص من الدلاص. فإن قلت: هلا قيل بنهار تتصرفون فيه كما قيل بليل تسكنون فيه؟ قلت: ذكر الضياء وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة ليس التصرف في المعاش وحده والظلام ليس بتلك المنزلة ومن ثمة قرن بالضياء (أفلا تسمعون) لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل (أفلا تبصرون) لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه (ومن رحمته) زاوج بين الليل والنهار لأغراض ثلاثة: لتسكنوا في أحدها وهو الليل ولتبتغوا من فضل الله في الآخر وهو النهار ولإرادة شكركم.
وقد سلكت بهذه الآية طريقة اللف في تكرير التوبيخ باتخاذ الشركاء إيذانا بأن لا شئ أجلب لغضب الله من الإشراك به، كما لا شئ أدخل في مرضاته من توحيده، اللهم فكما أدخلتنا في أهل توحيدك فأدخلنا في الناجين من وعيدك (ونزعنا) وأخرجنا (من كل أمة شهيدا) وهو نبيهم لأن أنبياء الأمم شهداء عليهم يشهدون بما كانوا عليه
(١٨٩)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»