الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٧٤
فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون.
____________________
تصور العدوان إنما هو في أحد الأجلين الذي هو الأقصر وهو المطالبة بتتمة العشر فما معنى تعليق العدوان بهما جميعا؟ قلت: معناه كما أنى إن طولبت بالزيادة على العشر كان عدوانا لا شك فيه، فذلك إن طولبت بالزيادة على الثمان، أراد بذلك تقرير أمر الخيار وأنه ثابت مستقر وأن الأجلين على السواء إما هذا وإما هذا من غير تفاوت بينهما في القضاء، وأما التتمة فموكولة إلى رأيي إن شئت أتيت بها وإلا لم أجبر عليها. وقيل معناه: فلا أكون متعديا وهو في نفى العدوان عن نفسه كقولك: لا إثم على ولا تبعة على. وفى قراءة ابن مسعود أي الأجلين ما قضيت، وقرئ أيما بسكون الياء كقوله:
تنظرت نصرا والسماكين أيهما * على من الغيث استهلت مواطره وعن ابن قطيب عدوان بالكسر. فإن قلت: ما الفرق بين موقعي ما المزيدة في القراءتين؟ قلت: وقعت في المستفيضة مؤكدة لإبهام أي زائدة في شياعها، وفى الشاذة تأكيد القضاء كأنه قال: أي الأجلين صممت على قضائه وجردت عزيمتي له. الوكيل الذي وكل إليه الأمر، ولما استعمل في موضع الشاهد والمهيمن والمقيت عدى بعلى لذلك. روى أن شعيبا كانت عنده عصى الأنبياء فقال لموسى بالليل: ادخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصى، فأخذ عصا هبط بها آدم من الجنة، ولم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب، فمسها وكان مكفوفا فضن بها فقال غيرها، فما وقع في يده إلا هي سبع مرات، فعلم أنه له شأنا. وقيل أخذها جبريل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقى بها موسى ليلا، وقيل أودعها شعيبا ملك في صورة رجل فأمر بنته أن تأتيه بعصا فأتته بها، فردها سبع مرات فلم يقع في يده غيرها، فدفعها إليه ثم ندم لأنها وديعة، فتبعه فاختصما فيها ورضيا أن يحكم بينهما أول طالع، فأتاهما الملك فقال: ألقياها فمن رفعها فهي له، فعالجها الشيخ فلم يطقها ورفعها موسى، وعن الحسن: ما كانت إلا عصا من الشجر اعترضها اعتراضا، وعن الكلبي: الشجرة التي منها نودي شجرة العوسج، ومنها كانت عصاه، ولما أصبح قال له شعيب: إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك فإن الكلأ وإن كان بها أكثر إلا أن فيها تنينا أخشاه عليك وعلى الغنم، فأخذت الغنم ذات اليمين ولم يقدر على كفها، فمشى على أثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله، فنام فإذا بالتنين قد أقبل فحاربته العصا حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى دامية، فلما أبصرها دامية والتنين مقتولا ارتاح لذلك، ولما رجع إلى شعيب مس الغنم فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن، فأخبره موسى ففرح وعلم أن لموسى والعصا شأنا، وقال له: إني وهبت لك من نتاج غنمي هذا العام كل أدرع ودرعاء، فأوحى إليه في المنام أن اضرب بعصاك مستقى الغنم ففعل ثم سقى، فما أخطأت واحدة إلا وضعت أدرع ودرعاء فوفى له بشرطه " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأجلين قضى موسى؟ فقال: أبعدهما وأبطأهما " وروى أنه قال: " قضى أوفاهما وتزوج صغراهما " وهذا خلاف الرواية التي سبقت. الجذوة باللغات الثلاث وقرئ بهن جميعا: العود الغليظ كانت في رأسه نار أو لم تكن، قال كثير:
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها * جذل الجذى غير خوار ولا دعر
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»