فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون. فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين. وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة
____________________
مثل ما غوينا: يعنون أنا لم نغو إلا باختيارنا لا أن فوقتا مغوين أغوونا بقسر منهم وإلجاء أو دعونا إلى الغى وسولوه لنا، فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم لأن إغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلا لا قسرا وإلجاء، فلا فرق إذا بين غينا وغيهم وإن كان تسويلنا داعيا لهم إلى الكفر، فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل وما بعث إليهم من الرسل وأنزل عليهم من الكتب المشحونة بالوعد والوعيد والمواعظ والزواجر، وناهيك بذلك صارفا عن الكفر وداعيا إلى الإيمان وهذا معنى ما حكاه الله عن الشيطان - إن وعد الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم - والله تعالى قدم هذا المعنى أول شئ حيث قال لإبليس - إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين - (تبرأنا إليك) منهم ومما اختاروه من الكفر بأنفسهم هوى منهم للباطل ومقتا للحق لا بقوة منا على استكراههم ولا سلطان (ما كانوا إيانا يعبدون) إنما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم، وإخلاء الجملتين من العاطف لكونهما مقررتين لمعنى الجملة الأولى (لو أنهم كانوا يهتدون) لوجه من وجوه الحيل يدفعون به العذاب، أو لو أنهم كانوا مهتدين مؤمنين لما رأوه، أو تمنوا لو كانوا مهتدين، أو تحيروا عند رؤيته وسدروا فلا يهتدون طريقا، حكى أولا ما يوبخهم به من اتخاذهم له شركاء ثم ما يقوله الشياطين أو أئمتهم عند توبيخهم، لأنهم إذا وبخوا بعبادة الآلهة اعتذروا بأن الشياطين هم الذين استغووهم وزينوا لهم عبادتها، ثم ما يشبه الشماتة بهم من استغاثتهم آلهتهم وخذلانهم لهم وعجزهم عن نصرتهم، ثم ما يبكتون به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل (فعميت عليهم الأنباء) فصارت الأنباء كالعمى عليهم لا تهتدى إليهم (فهم لا يتساءلون) لا يسأل بعضهم بعضا كما يتساءل الناس في المشكلات لأنهم يتساوون جميعا في عمى الأنباء عليهم والعجز عن الجواب. وقرئ فعميت.
والمراد بالنبأ: الخبر عما أجاب به المرسل إليه رسوله، وإذا كانت الأنبياء لهول ذلك اليوم يتتعتون في الجواب عن مثل هذا السؤال ويفوضون الأمر إلى علم الله وذلك قوله تعالى - يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب - فما ظنك بالضلال من أممهم (فأما من تاب) من المشركين من الشرك وجمع بين الإيمان والعمل الصالح (فعسى أن) يفلح عند الله، وعسى من الكرام تحقيق، ويجوز أن يراد ترجى التائب وطمعه كأنه قال: فليطمع أن يفلح. الخيرة من التخير كالطيرة من التطير تستعمل بمعنى المصدر وهو التخير وبمعنى المتخير كقولهم: محمد خيرة الله من خلقه (ما كان لهم الخيرة) بيان لقوله ويختار لأن معناه: ويختار ما يشاء، ولهذا لم يدخل العاطف، والمعنى: أن الخيرة لله تعالى في أفعاله وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. قيل السبب فيه قول الوليد بن المغيرة - لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم - يعنى لا يبعث الله الرسل باختيار المرسل إليهم. وقيل معناه: ويختار الذي لهم فيه الخيرة: أي يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح وهو
والمراد بالنبأ: الخبر عما أجاب به المرسل إليه رسوله، وإذا كانت الأنبياء لهول ذلك اليوم يتتعتون في الجواب عن مثل هذا السؤال ويفوضون الأمر إلى علم الله وذلك قوله تعالى - يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب - فما ظنك بالضلال من أممهم (فأما من تاب) من المشركين من الشرك وجمع بين الإيمان والعمل الصالح (فعسى أن) يفلح عند الله، وعسى من الكرام تحقيق، ويجوز أن يراد ترجى التائب وطمعه كأنه قال: فليطمع أن يفلح. الخيرة من التخير كالطيرة من التطير تستعمل بمعنى المصدر وهو التخير وبمعنى المتخير كقولهم: محمد خيرة الله من خلقه (ما كان لهم الخيرة) بيان لقوله ويختار لأن معناه: ويختار ما يشاء، ولهذا لم يدخل العاطف، والمعنى: أن الخيرة لله تعالى في أفعاله وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. قيل السبب فيه قول الوليد بن المغيرة - لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم - يعنى لا يبعث الله الرسل باختيار المرسل إليهم. وقيل معناه: ويختار الذي لهم فيه الخيرة: أي يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح وهو