الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٥٦
أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون. أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون.
____________________
قليلا، والمعنى نفى التذكر، والقلة تستعمل في معنى النفي (يهديكم) بالنجوم في السماء والعلامات في الأرض إذا جن الليل عليكم مسافرين في البر والبحر. فإن قلت: كيف قيل لهم (أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده) وهم منكرون للإعادة؟ قلت: قد أزيحت علتهم بالتمكين من المعرفة والإقرار فلم يبق لهم عذر في الإنكار (من السماء) الماء (و) من (الأرض) النبات (إن كنتم صادقين) أن مع الله إلها فأين دليلكم عليه؟ فإن قلت: لم رفع اسم الله والله يتعالى أن يكون ممن في السماوات والأرض؟ قلت: جاء على لغة بنى تميم حيث يقولون ما في الدار أحد إلا حمار، يريدون ما فيها إلا حمار كأن أحدا لم يذكر، ومنه قوله:
عيشة ما تغنى الرماح مكانها * ولا النبل إلا المشرفي المصمم وقولهم: ما أتاني زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه. فإن قلت: ما الداعي إلى اختيار المذهب التميمي على الحجازي؟ قلت: دعت إليه نكتة سرية حيث أخرج المستثنى مخرج قوله إلا اليعافير بعد قوله ليس بها أنيس ليؤل المعنى إلى قولك: إن كان الله ممن في السماوات والأرض فهم يعلمون الغيب، يعنى أن علمهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم، كما أن معنى ما في البيت: إن كانت اليعافير أنيسا ففيها أنيس بتا للقول بخلوها عن الأنيس. فإن قلت: هلا زعمت أن الله ممن في السماوات والأرض كما يقول المتكلمون الله في كل مكان على معنى أن علمه في الأماكن كلها فكأن ذاته فيها حتى لا تحمله على مذهب بنى تميم؟ قلت: يأبى ذلك أن كونه في السماوات والأرض مجاز وكونهم فيهن حقيقة، وإرادة المتكلم بعبارة واحدة حقيقة ومجازا غير صحيحة على أن قولك من في السماوات والأرض وجمعك بينه وبينهم في إطلاق اسم واحد فيه إيهام تسوية، والإيهامات مزالة عنه وعن صفاته تعالى، ألا ترى كيف قال صلى الله عليه وسلم لمن قال: ومن يعصيهما فقد غوى " بئس خطيب القوم أنت " وعن عائشة رضي الله عنها: من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول - قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله - وعن بعضهم: أخفى غيبه عن الخلق ولم يطلع عليه أحد لئلا يأمن أحد من عبيده مكره. وقيل نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة (أيان) بمعنى متى ولو سمى به لكان فعالا من آن يئين ولا يصرف. وقرئ إيان بكسر الهمزة. وقرئ بل أدرك بل أدرك بل أدارك بل تدارك بل أأدرك بهمزتين بل آأدرك بألف بينهما بل أدرك بالتخفيف والنقل بل أدرك بفتح اللام وتشديد الدال وأصله بل أدرك على الاستفهام بلى أدرك بل أأدرك أم تدارك أم أدرك فهذه ثنتا عشرة قراءة، وأدارك أصله تدارك فأدغمت التاء في الدال وأدرك افتعل، ومعنى أدرك علمهم: انتهى وتكامل، وأدرك: تتابع واستحكم، وهو على وجهين: أحدهما أن أسباب استحكام العلم وتكامله باب القيامة كائنة لا ريب فيه قد حصلت لهم ومكنوا من معرفته وهم شاكون جاهلون وهو قوله - بل هم في شك منها بل هم
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»