الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٥٨
ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون. ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين. قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون. وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون. وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون. وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين. إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون.
____________________
جحود ودليل على كفر مؤكد مبالغ فيه، والضمير في إنا لهم ولآبائهم لأن كونهم ترابا قد تناولهم وآباءهم. فإن قلت: قدم في هذه الآية هذا على نحن وآباؤنا وفى آية أخرى قدم نحن وآباؤنا على هذا. قلت: التقديم دليل على أن المقدم هو الغرض المتعمد بالذكر، وأن الكلام إنما سيق لأجله، ففي إحدى الآيتين دل على أن اتخاذ البعث هو الذي تعمد بالكلام، وفى الأخرى على أن اتخاذ المبعوث بذلك الصدد. لم تلحق علامة التأنيث بفعل العاقبة لأن تأنيثها غير حقيقي ولأن المعنى كيف كان آخر أمرهم. وأراد بالمجرمين الكافرين، وإنما عبر عن الكفر بلفظ الإجرام ليكون لطفا للمسلمين في ترك الجرائم وتخوف عاقبتها، ألا ترى إلى قوله - فدمدم عليهم ربهم بذنبهم - وقوله - مما خطيئاتهم أغرقوا - (ولا تحزن عليهم) لأنهم لم يتبعوك ولم يسلموا فيسلموا وهم قومه قريش كقوله تعالى - فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا - (في ضيق) في حرج صدر من مكرهم وكيدهم لك ولا تبال بذلك فإن الله يعصمك من الناس، يقال ضاق الشئ ضيقا وضيقا بالفتح والكسر وقد قرئ بهما، والضيق أيضا تخفيف الضيق، قال الله تعالى - ضيقا حرجا - قرئ مخففا ومثقلا، ويجوز أن يراد في أمر ضيق من مكرهم. استعجلوا العذاب الموعود فقيل لهم (عسى أن يكون) ردفكم بعضه وهو عذاب يوم بدر فزيدت اللام للتأكيد كالباء في - ولا تلقوا بأيديكم - أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو دنا لكم وأزف لكم ومعناه تبعكم ولحقكم، وقد عدى بمن قال:
فلما ردفنا من عمير وصحبه * تولوا سراعا والمنية تعنق يعنى دنونا من عمير. وقرأ الأعرج ردف لكم بوزن ذهب وهما لغتان والكسر أفصح. وعسى ولعل وسوف في وعد الملوك ووعيدهم يدل على صدق الأمر وجده وما مجال للشك بعده، وإنما يعنون بذلك إظهار وقارهم وأنهم لا يعجلون بالانتقام لإدلالهم بقهرهم وغلبتهم ووثوقهم أن عدوهم لا يفوتهم وأن الرمزة إلى أغراض كافية من جهتهم، فعلى ذلك جرى وعد الله ووعيده. الفضل والفاضلة الإفضال ولفلان فواضل في قومه وفضول، ومعناه: أنه مفضل عليهم بتأخير العقوبة وأنه لا يعاجلهم بها، وأكثرهم لا يعرفون حق النعمة فيه ولا يشكرونه ولكنهم بجهلهم يستعجلون وقوع العقاب وهم قريش. قرئ تكن، يقال كننت الشئ وأكننته إذا سترته وأخفيته، يعنى أنه يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكايدهم وهو معاقبهم على ذلك بما يستوجبونه. سمى الشئ الذي يغيب ويخفى غائبة وخافية فكانت التاء فيهما بمنزلتها في العافية والعاقبة، ونظائرهما
(١٥٨)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»