الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٥٤
* فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون.
فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين. وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين. قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير أما يشركون.
____________________
(يتطهرون) يتنزهون عن القاذورات كلها فينكرون هذا العمل القذر ويغيظا إنكارهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو استهزاء (قدرناها) قدرنا كونها (من الغابرين) كقوله - قدرنا إنها لمن الغابرين - فالتقدير واقع على الغبور في المعنى. أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته وقدرته على كل شئ وحكمته وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده. وفيه تعليم حسن وتوقيف على أدب جميل، وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم إليه وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المسمع، ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب فحمدوا الله عز وجل وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد وقبل كل عظة وتذكرة وفى مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن. وقيل هو متصل بما قبله وأمر بالتحميد على الهالكين من كفار الأمم والصلاة على الأنبياء عليهم السلام وأشياعهم الناجين. وقيل هو خطاب للوط عليه السلام وأن يحمد الله على هلاك كفار قومه ويسلم على من اصطفاه الله ونجاه من هلكتهم وعصمهم من ذنوبهم. معلوم أن لا خير فيما أشركوه أصلا حتى يوازن بينه وبين من هو خالق كل خير ومالكه، وإنما هو إلزام لهم وتبكيت وتهكم بحالهم وذلك أنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله، ولا يؤثر عاقل شيئا على شئ إلا لداع يدعوه إلى إيثاره من زيادة خير ومنفعة، فقيل لهم مع العلم بأنه لا خير فيما آثروه وأنهم لم يؤثروه لزيادة الخير ولكن هوى وعبثا لينبهوا على الخطأ المفرط والجهل المورط وإضلالهم التمييز ونبذهم المعقول، وليعلموا أن الإيثار يجب أن يكون للخير الزائد، ونحوه ما حكاه عن فرعون - أم أنا خير من هذا الذي هو مهين - مع علمه أنه ليس لموسى مثل أنهاره التي كانت تجرى تحته. ثم عدد سبحانه الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله كما عددها في موضع آخر ثم قال - هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ - وقرئ يشركون بالياء والتاء، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه كان إذا قرأها يقول:
بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم ". فإن قلت: ما الفرق بين أم وأم في أم ما تشركون وأمن خلق. قلت: تلك متصلة لأن المعنى أيهما خير وهذه منقطعة بمعنى بل والهمزة لما قال الله تعالى - الله خير - أم الآلهة؟ قال بل - أمن خلق السماوات والأرض - خير تقريرا لهم بأن من قدر على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شئ. وقرأ الأعمش أمن بالتخفيف، ووجهه أن يجعل بدلا من الله كأنه قال: أمن خلق السماوات والأرض خير أم ما تشركون؟ فإن
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»