وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون، فلما جاء سليمان قال أتمدونني
____________________
أشاروا عليها بالقتال أو أرادوا نحن من أبناء الحرب، لا من أبناء الرأي والمشورة، وأنت ذات الرأي والتدبير فانظري ماذا ترين نتبع رأيك. لما أحست منهم الميل إلى المحاربة رأت من الرأي الميل إلى الصلح والابتداء بما هو أحسن ورتبت الجواب، فزيفت أولا ما ذكروه وأرتهم الخطأ فيه (إن الملوك إذا دخلوا قرية) عنوة وقهرا (أفسدوها) أي خربوها. ومن ثمة قالوا للفساد الخربة. وأذلوا أعزتها وأهانوا أشرافها وقتلوا وأسروا، فذكرت لهم عاقبة الحرب وسوء مغبتها ثم قالت (وكذلك يفعلون) أرادت وهذه عادتهم المستمرة الثابتة التي لا تتغير، لأنها كانت في بيت الملك القديم فسمعت نحو ذلك ورأت، ثم ذكرت بعد ذلك حديث الهدية وما رأت من الرأي السديد وقيل هو تصديق من الله لقولها وقد يتعلق الساعون في الأرض بالفساد بهذه الآية ويجعلونها حجة لأنفسهم، ومن استباح حراما فقد كفر فإذا احتج له بالقرآن على وجه التحريف فقد جمع بين كفرين (مرسلة إليهم بهدية) أي مرسلة رسلا بهدية أصانعه بها عن ملكي (فناظرة) ما يكون منه حتى أعمل على حسب ذلك، فروى أنها بعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن الأساور والأطواق والقرطة راكبي خيل مغشاة بالديباج محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر، وخمسمائة جارية على رماك في زي الغلمان، وألف لبنة من ذهب وفضة، وتاجا مكللا بالدر والياقوت المرتفع والمسك والعنبر، وحقا فيه درة عذراء وجزعة، معوجة الثقب، وبعثت رجلين من أشراف قومها: المنذر بن عمرو وآخر ذا رأى وعقل، وقالت: إن كان نبيا ميز بين الغلمان والجواري، وثقب الدرة ثقبا مستويا وسلك في الخرزة خيطا ثم قالت للمنذر: إن نظر إليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنك، وإن رأيته بشا لطيفا فهو نبي. فأقبل الهدهد فأخبر سليمان، فأمر الجن فضربوا لبن الذهب والفضة وفرشوه في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ، وجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب والفضة، وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر فربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللبن، وأمر بأولاد الجن وهم خلق كثير فأقيموا عن اليمين واليسار، ثم قعد على سريره والكراسي من جانبيه، واصطفت الشياطين صفوفا فراسخ والإنس صفوفا فراسخ، والوحش والسباع والهوام والطيور كذلك، فلما دنا القوم ونظروا بهتوا ورأوا الدواب تروث على اللبن، فتقاصرت إليهم نفوسهم ورموا بما معهم، ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم بوجه طلق وقال ما وراءكم؟ وقال: أين الحق؟ وأخبره جبريل عليه السلام بما فيه فقال لهم: إن فيه كذا وكذا: ثم أمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت فيها فجعل رزقها في الشجرة، وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها ونفذت فيها فجعل رزقها في الفواكه، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها، والغلام كما يأخذه بضرب به وجهه، ثم رد الهدية وقال للمنذر: ارجع إليهم، فقالت: هو نبي وما لنا به طاقة، فشخصت إليه في اثنى عشر ألف قيل تحت كل قيل ألوف. وفى قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: فلما جاءوا (أتمدونني) وقرئ بحذف الياء والاكتفاء بالكسرة وبالإدغام كقوله - أتحاجوني - وبنون واحدة أتمدوني. والهدية اسم المهدى كما أن العطية اسم المعطى، فتضاف إلى المهدى والمهدى إليه تقول: هذه هدية فلان، تريد هي التي أهداها