الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٥٣
ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون. فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم وقومهم أجمعين. فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون. وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون. ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون. أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون.
____________________
الذين لا يعرفون الشرع ونواهيه ولا يخطر ببالهم، ألا ترى أنهم قصدوا قتل نبي الله ولم يرضوا لأنفسهم بأن يكونوا كاذبين حتى سووا للصدق في خيرهم حيلة يتفصون بها عن الكذب. مكرهم: ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح عليه السلام وأهله، ومكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون، شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة. روى أنه كان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلى فيه فقالوا: زعم صالح عليه السلام أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث، فخرجوا إلى الشعب وقالوا: إذا جاء يصلى قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم فبعث الله صخرة من الهضب حيالهم فبادروا، فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل بقومهم وعذب الله كلا منهم في مكانه ونجى صالحا ومن معه. وقيل جاءوا بالليل شاهري سيوفهم وقد أرسل الله الملائكة ملء دار صالح فدمغوهم بالحجارة، يرون الحجارة ولا يرون راميا (إنا دمرناهم) استئناف ومن قرأ بالفتح رفعه بدلا من العاقبة، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هي تدميرهم: أو نصبه على معنى لأنا أو على أنه خبر كان: أي كان عاقبة مكرهم الدمار (خاوية) حال عمل فيها ما دل عليه تلك، وقرأ عيسى بن عمر خاوية بالرفع على خبر المبتدأ المحذوف. (و) أذكر (لوطا) أو أرسلنا لوطا لدلالة " ولقد أرسلنا " عليه. وإذ بدل على الأول ظرف على الثاني (وأنتم تبصرون) من بصر القلب: أي تعلمون أنها فاحشة لم تسبقوا إليها، وأن الله إنما خلق الأنثى للذكر ولم يخلق الذكر للذكر ولا الأنثى للأنثى فهي مضادة لله في حكمته، وعلمكم بذلك أعظم لذنوبكم وأدخل في القبح والسماجة. وفيه دليل على أن القبيح من الله أقبح من عباده لأنه أعلم العالمين وأحكم الحاكمين، أو تبصرونها بعضكم من بعض لأنهم كانوا في ناديهم يرتكبونها معالنين بها لا يتستر بعضهم من بعض خلاعة ومجانة وانهما كافي المعصية، وكأن أبا نواس بنى على مذهبهم قوله:
وبح باسم ما تأتى وذرني من الكنى * فلا خير في اللذات من دونها ستر أو تبصرون آثار العصاة قبلكم وما نزل بهم. فإن قلت: فسرت تبصرون بالعلم وبعده (بل أنتم قوم تجهلون) فكيف يكونون علماء جهلا؟ قلت: أراد تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك، أو تجهلون العاقبة، أو أراد بالجهل السفاهة والمجانة التي كانوا عليها. فإن قلت: تجهلون صفة لقوم والموصوف لفظه لفظ الغائب فهلا طابقت الصفة الموصوف فقرئ بالياء دون التاء وكذلك بل أنتم قوم تفتنون؟ قلت: اجتمعت الغيبة والمخاطبة فغلبت المخاطبة لأنها أقوى وأرسخ أصلا من الغيبة. وقرأ الأعمش جواب قومه بالرفغ والمشهورة أحسن
(١٥٣)
مفاتيح البحث: الشهوة، الإشتهاء (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»