الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٢٣
في ما هاهنا آمنين. في جنات وعيون. وزروع ونخل طلعها هضيم. وتنحتون من الجبال بيوتا فرهين. فاتقوا الله وأطيعون. ولا تطيعوا أمر المسرفين. الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون. قالوا إنما أنت من المسحرين. ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين. قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم. ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم.
____________________
في تخلية الله إياهم وما يتنعمون فيه من الجنات وغير ذلك مع الأمن والدعة (فيما ههنا) في الذي استقر في هذا المكان من النعيم، ثم فسره بقوله (في جنات وعيون) وهذا أيضا إجمال ثم تفصيل. فإن قلت: لم قال (ونخل) بعد قوله في جنات والجنة تتناول النخل أول شئ كما يتناول النعم الإبل كذلك من بين الأزواج حتى إنهم ليذكرون الجنة ولا يقصدون إلا النخيل، كما يذكرون النعم ولا يريدون إلا الإبل، قال زهير: تسقى جنة سحقا. قلت: فيه وجهان: أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيها على انفراده عنها بفضله عليها، وأن يريد بالجنات غيرها من الشجر لأن اللفظ يصلح لذلك ثم يعطف عليها النخل. الطلعة هي التي تطلع من النخلة كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو، والقنو: اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه. والهضيم: اللطيف الضامر من قولهم كشح هضيم، وطلع إناث النخل فيه لطف، وفى طلع الفحاحيل جفاء، وكذلك طلع البرنى ألطف من طلع اللون، فذكرهم نعمة الله في أن وهب لهم أجود النخل وأنفعه، لأن الإناث ولادة التمر والبرني أجود التمر وأطيبه. ويجوز أن يريد أن نخيلهم أصابت جودة المنابت وسعة الماء وسلمت من العاهات فحملت الحمل الكثير، وإذا كثر الحمل هضم وإذا قل جاء فاخرا. وقيل الهضيم: اللين النضيج، كأنه قال: ونخل قد أرطب ثمرة. قرأ الحسن وتنحتون بفتح الحاء. وقرئ فرهين وفارهين. والفراهة الكيس والنشاط، ومنه خيل فرهة. أستعير لامتثال الأمر وارتسامه طاعة الآمر المطاع، أو جعل الأمر مطاعا على المجاز الحكمي والمراد الآمر، ومنه قولهم لك على إمرة مطاعة وقوله تعالى - وأطيعوا أمري - فإن قلت: ما فائدة قوله (ولا يصلحون)؟ قلت:
فائدته أن فسادهم فساد مصمت ليس معه شئ من الصلاح كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح المسحر الذي سحر كثيرا حتى غلب على عقله. وقيل هو من السحر الرئة وأنه بشر. الشرب النصيب من الماء نحو السقى وألقيت للخط من السقى والقوت، وقرئ بالضم. روى أنهم قالوا نريد ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة فتلد سقبا، فقعد صالح يتفكر فقال له جبريل عليه السلام: صل ركعتين وسل ربك الناقة ففعل، فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم ونتجت سقبا مثلها في العظم. وعن أبي موسى: رأيت مصدرها فإذا هو ستون ذراعا.
وعن قتادة: إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله ولهم شرب يوم لا تشرب فيه الماء (بسوء) بضرب أو عقر أو غير ذلك. عظم اليوم لحلول العذاب فيه، ووصف اليوم به أبلغ من وصف العذاب لأن الوقت إذا عظم بسببه كان موقعه من العظم أشد. وروى أن مسطعا ألجأها إلى مضيق في شعب فرماها بسهم فأصاب رجلها فسقطت ثم ضربها قدار. وروى أن عاقرها قال: لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين، فكانوا يدخلون على المرأة في خدرها
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»