الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٨٥
لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون. لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون. يوم نطوى السماء كطي السجل للكتاب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين.
____________________
وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف، ثم أقيمت الصلاة فقام يجر رداءه وهوى قول (لا يسمعون حسيسها) والحسيس الصوت يحس. والشهوة طلب النفس اللذة. وقرئ (لا يحزنهم) من أحزن، و (الفزع الأكبر) قيل النفخة الأخيرة لقوله تعالى - ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض - وعن الحسن: الانصراف إلى النار. وعن الضحاك: حين يطبق على النار. وقيل حين يذبح الموت على صورة كبش أملح: أي تستقبلهم (الملائكة) مهنئين على أبواب الجنة ويقولون هذا وقت ثوابكم الذي وعدكم ربكم قد حل.
العامل في (يوم نطوى) لا يحزنهم أو الفزع أو تتلقاهم. وقرئ نطوى السماء على البناء للمفعول. و (السجل) بوزن العتل 7 والسجل بلفظ الدلو وروى فيه الكسر وهو الصحيفة: أي كما يطوى الطومار للكتابة: أي ليكتب فيه أو لما يكتب فيه، لأن الكتاب أصله المصدر كالبناء ثم يوقع على المكتوب، ومن جمع فمعناه للمكتوبات: أي لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة. وقيل السجل ملك يطوى كتب بني آدم إذا رفعت إليه. وقيل كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم والكتاب على هذا اسم الصحيفة المكتوب فيها (أول خلق) مفعول نعيد الذي يفسره (نعيده) والكاف مكفوفة بما، والمعنى: نعيد أول الخلق كما بدأناه تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء. فإن قلت: وما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت: أوله إيجاده عن العدم فكما أوجده أولا عن عدم يعيده ثانيا عن عدم. فإن قلت: ما بال خلق منكرا؟ قلت: هو كقولك هو أول رجل جاءني تريد أول الرجال، ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا، فكذلك معنى أول خلق أول الخلق، بمعنى أول الخلائق لأن الخلق مصدر لا يجمع. ووجه آخر وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره نعيده وما موصولة: أي نعيد مثل الذي بدأناه نعيده وأول خلق ظرف لبدأناه: أي أول ما خلق أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى (وعدا) مصدر مؤكد لأن قوله نعيده عدة للإعادة (إنا كنا فاعلين) أي قادرين على أن نفعل ذلك.
(٥٨٥)
مفاتيح البحث: الفزع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 577 578 579 580 581 582 583 584 585 586 587 » »»