الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٨٤
وهم من كل حدب ينسلون. واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين. إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون. لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون. لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون. إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون.
____________________
سدهما كما حذف المضاف إلى القرية وهو أهلها، وقيل فتحت كما قيل أهلكناها. وقرئ آجوج وهما قبيلتان من جنس الإنس، يقال الناس عشرة أجزاء تسعة منها يأجوج ومأجوج (وهم) راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر، وقيل هم يأجوج ومأجوج يخرجون حين يفتح السد. الحدب: النشز من الأرض. وقرأ ابن عباس رضي الله عنه من كل جدث وهو القبر، الثاء حجازية والباء تميمية. وقرئ (ينسلون) بضم السين ونسل وعسل أشرع، و (إذا) هي المفاجأة وهى تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله تعالى - إذا هم يقنطون - فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد، ولو قيل إذا هي شاخصة أو فهي شاخصة كان سديدا (هي) ضمير مبهم توضحه الأبصار وتفسره كما فسر الذين ظلموا وأسروا (يا ويلنا) متعلق بمحذوف تقديره: يقولون يا ويلنا ويقولون في موضع الحال من الذين كفروا (ما تعبدون من دون الله) يحتمل الأصنام وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم في حكم عبدتهم، ويصدقه ما روى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فجلس إليهم فعرض له النضر بن الحرث، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليهم - إنكم وما تعبدون من دون الله - الآية، فأقبل عبد الله بن الزبعرى فرآهم يتهامسون فقال: فيم خوضكم؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله، فقال عبد الله: أما والله لو وجدته لخصمته، فدعوه فقال ابن الزبعرى: أأنت قلت ذلك؟ قال: نعم، قال: قد خصمتك ورب الكعبة، أليس اليهود عبدوا عزيرا، والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة؟
فقال صلى الله عليه وسلم: بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك، فأنزل الله تعالى - إن الذين سبقت لهم منا الحسنى - الآية ": يعنى عزيرا والمسيح والملائكة عليهم السلام. فإن قلت: لم قرنوا بآلهتهم؟ قلت: لأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غم وحسرة حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم، والنظر إلى وجه العدو باب من العذاب، ولأنهم قدروا أنهم يستشفعون بهم في الآخرة ويستشفعون بشفاعتهم، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا لم يكن شئ أبغض إليهم منهم. فإن قلت: إذا عنيت بما تعبدون الأصنام فما معنى (لهم فيها زفير)؟ قلت: إذا كانوا هم وأصنامهم في قرن واحد جاز أن يقال لهم زفير وإن لم يكن الزافرين إلا هم دون الأصنام للتغليب وعدم الإلباس.
والحصب: المحصوب به: أي يحصب بهم في النار والحصب الرمي، وقرئ بسكون الصاد وصفا بالمصدر.
وقرئ حطب وحضب بالضاد متحركا وساكنا. وعن ابن مسعود: يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون.
ويجوز أن يصمهم الله كما يعميهم (الحسنى) الحصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن، إما السعادة وإما البشرى بالثواب وإما التوفيق للطاعة. يروى أن عليا رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان
(٥٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 577 578 579 580 581 582 583 584 585 586 587 » »»