الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٠٣
وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين. هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون. ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون. وسخر
____________________
أي مستقيم كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه، ومعنى قوله (وعلى الله قصد السبيل) أن هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه كقوله - إن علينا للهدى -. فإن قلت: لم غير أسلوب الكلام في قوله (ومنها جائر)؟ قلت: ليعلم ما يجوز إضافته إليه من السبيلين وما لا يجوز، ولو كان الأمر كما تزعم المجبرة لقيل - وعلى الله قصد السبيل - وعليه جائرها أو وعليه الجائر. وقرأ عبد الله ومنكم جائر: يعني ومنكم جائر جار عن القصد بسوء اختياره والله برئ منه (ولو شاء لهداكم أجمعين) قسرا وإلجاء (لكم) متعلق بأنزل أو بشراب خبرا له. والشراب ما يشرب (شجر) يعني الشجر الذي ترعاه المواشي، وفي حديث عكرمة " لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت " يعني الكلأ (تسيمون) من سامت الماشية إذا رعت فهي سائمة، وأسامها صاحبها وهو من السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات في الأرض. قرئ ينبت بالياء والنون. فإن قلت: لم قيل (ومن كل الثمرات)؟ قلت: لأن كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة، وإنما أنبت في الأرض بعض من كلها للتذكرة (يتفكرون) ينظرون فيستدلون بها عليه وعلى قدرته وحكمته. والآية الدلالة الواضحة، وعن بعضهم ينبت بالتشديد. وقرأ أبي بن كعب ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب بالرفع. قرئت كلها بالنصب على وجعل النجوم مسخرات، أو على أن معنى تسخيرها للناس تصييرها نافعة لهم حيث يسكنون بالليل ويبتغون من فضله بالنهار ويعلمون عدد السنين والحساب بمسير الشمس والقمر ويهتدون بالنجوم، فكأنه قيل: ونفعكم بها في حال كونها مسخرات لما خلقن له بأمره ويجوز أن يكون المعنى أنه سخرها أنواعا من التسخير جمع مسخر بمعنى تسخير من قولك سخره الله مسخرا كقولك سرحه مسرحا كأنه قيل وسخرها لكم تسخيرات بأمره. وقرئ بنصب الليل والنهار وحدهما ورفع ما بعدهما
(٤٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 ... » »»