الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٥
وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون. وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها، والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون. ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله،
____________________
لكنا أهدى منهم (وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم) الخطاب لليهود: أي علمتم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم مما أوحى إليه ما لم تعلموا أنتم وأنتم حملة التوراة، ولم تعلمه آباؤكم الأقدمون الذين كانوا أعلم منكم - إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون - وقيل الخطاب لمن آمن من قريش كقوله تعالى - لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم - (قل الله) أي أنزله الله، فإنهم لا يقدرون أن يناكروك (ثم ذرهم في خوضهم) في باطلهم الذي يخوضون فيه ولا عليك بعد إلزام الحجة. ويقال لمن كان في عمل لا يجدي عليه إنما أنت لاعب، و (يلعبون) حال من ذرهم أو من خوضهم، ويجوز أن يكون في خوضهم حالا من يلعبون وأن يكون صلة لهم أو لذرهم (مبارك) كثير المنافع والفوائد (ولتنذر) معطوف على ما دل عليه صفة الكتاب، كأنه قيل: أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدمه من الكتب والإنذار. وقرئ ولينذر بالياء والتاء. سميت مكة (أم القرى) لأنها مكان أول بيت وضع للناس ولأنها قبلة أهل القرى كلها ومحجهم ولأنها أعظم القرى شأنا، ولبعض المجاورين:
فمن يلق في بعض القريات رحله * فأم القرى ملقى رحالي ومنتابي (والذين يؤمنون بالآخرة) يصدقون بالعاقبة ويخافونها (يؤمنون) بهذا الكتاب وذلك أن أصل الدين خوف العاقبة، فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن. وخص الصلاة لأنها عماد الدين، ومن حافظ عليها كانت لطفا في المحافظة على أخواتها (افترى على الله كذبا) فزعم أن الله بعثه نبيا (أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شئ) وهو مسيلمة الحنفي الكذاب أو كذاب صنعاء الأسود العنسي. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " رأيت فيما يرى النائم كأن في يدي سوارين من ذهب فكبرا علي وأهماني، فأوحى الله إلي أن انفخهما فنفختهما فطارا عني، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما كذاب اليمامة مسيلمة وكذاب صنعاء الأسود العنسي " (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي، كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أملى عليه سميعا عليما كتب هو عليما حكيما، وإذا قال عليما حكيما كتب غفورا رحيما، فلما نزلت " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين " إلى آخر الآية عجب عبد الله من تفصيل خلق الانسان فقال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقال عليه الصلاة والسلام: اكتبها فكذلك نزلت، فشك عبد الله وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إلي مثل ما أوحي إليه، ولئن كان كاذبا فلقد قلت كما قال، فارتد عن الاسلام ولحق بمكة ثم رجع مسلما قبل فتح مكة. وقيل هو
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»