وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين
____________________
لذلك وأنهم أحقاء بأن يغافصوا بالعذاب المستأصل فقال (ما عندي ما تستعجلون به) يعني العذاب الذي استعجلوه في قولهم - فأمطر علينا حجارة من السماء - (إن الحكم إلا لله) في تأخير عذابكم (يقضي الحق) أي القضاء الحق في كل ما يقضي من التأخير والتعجيل في أقسامه (وهو خير الفاصلين) أي القاضين، وقرئ يقص الحق: أي يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره من قص أثره (لو أن عندي) أي في قدرتي وإمكاني (ما تستعجلون به) من العذاب (لقضي الامر بيني وبينكم) لأهلكتكم عاجلا غضبا لربي وامتعاضا من تكذيبكم به ولتخلصت منكم سريعا (والله أعلم بالظالمين) وبما يجب في الحكمة من كنه عقابهم، وقيل - على بينة من ربي - على حجة من جهة ربي وهي القرآن، وكذبتم به: أي بالبينة، وذكر الضمير على تأويل البيان أو القرآن. فإن قلت: بم انتصب الحق؟ قلت: بأنه صفة لمصدر يقضي: أي يقضي القضاء الحق، ويجوز أن يكون مفعولا به من قولهم قضى الدرع إذا صنعها: أي يصنع الحق ويدبره، وفي قراءة عبد الله يقضي بالحق. فإن قلت: لم أسقطت الباء في في الخط؟ قلت: اتباعا للخط اللفظ وسقوطها في اللفظ لالتقاء الساكنين. جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة، لأن المفاتح يتوصل بها إلى ما في المخازن المتوثق منها بالاغلاق والأقفال، ومن علم مفاتحها وكيف تفتح توصل إليها فأراد أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده لا يتوصل إليها غيره، كمن عنده مفاتح أقفال المخازن ويعلم فتحها فهو المتوصل إلى ما في المخازن، والمفاتح جمع مفتح وهو المفتاح وقرئ مفاتيح، وقيل هي جمع مفتح بفتح الميم: وهو المخزن (ولا حبة ولا رطب ولا يابس) عطف على ورقة وداخل في حكمها كأنه قيل وما يسقط من شئ من هذه الأشياء إلا يعلمه، وقوله (إلا في كتاب مبين) كالتكرير لقوله إلا يعلمها،