الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٠٠
وتركهم في ظلمات لا يبصرون
____________________
لأنه في معنى الجمع وأما جمع هذا الضمير وتوحيده في حوله فللحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى فإن قلت: فما معنى إسناد الفعل إلى الله تعالى في قوله (ذهب الله بنورهم) قلت: إذا طفئت النار بسبب سماوي ريح أو مطر فقد أطفأها الله تعالى وذهب بنور المستوقد، ووجه آخر وهو أن يكون المستوقد في هذا الوجه مستوقد نار لا يرضاها الله ثم إما أن تكون نارا مجازية كنار الفتنة والعداوة للإسلام وتلك النار متقاصرة مدة اشتعالها قليلة البقاء. ألا ترى إلى قوله - كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله - وإما نارا حقيقة أوقدها الغواة ليتوصلوا بالاستضاءة بها إلى بعض المعاصي وليهتدوا بها في طرق العبث فأطفأها الله وخيب أمانيهم، فإن قلت: كيف صح في النار المجازية أن توصف بإضاءة ما حول المستوقد؟ قلت: هو خارج على طريقة المجاز المرشح فأحسن تدبره.
فإن قلت: هلا قيل ذهب الله بضوئهم لقوله فلما أضاءت؟ قلت: ذكر النور أبلغ لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة فلو قيل ذهب الله بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا والغرض إزالة النور عنهم رأسا وطمسه أصلا، ألا ترى كيف ذكر عقيبه (وتركهم في ظلمات) والظلمة عبارة عن عدم النور وانطماسه، وكيف جمعها وكيف نكرها وكيف أتبعها ما يدل على أنها ظلمة مبهمة لا يتراءى فيها شبحان وهو قوله (لا يبصرون) فإن قلت: فلم وصفت بالإضاءة قلت: هذا على مذهب قولهم للباطل صولة ثم يضمحل، ولريح الضلالة عصفة ثم تخفت، ونار العرفج مثل لنزوة كل طماح، والفرق بين أذهبه وذهب به أن معنى أذهبه أزاله وجعله ذاهبا
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 190 191 194 198 200 203 207 209 214 215 ... » »»