استلزم لم يكن استدراك أيضا إذ قد بينه قصدا بعد ما علم ضمنا وقرن بها احتجاجا يزيل منها شبهة البناء. واعلم أن المصنف وجمهور المحققين من النحاة حصروا سبب بناء الأسماء في منسبة مالا تمكن له، وسموا الأسماء الخالية عن تلك المناسبة معربة، وجعلوا سكون أعجازها قبل التركيب وقفا لأبناء. قالوا: والدليل على أن سكونها وقف أن العرب جوزت في الأسماء قبل التركيب التقاء الساكنين على طريقة الوقف فقالوا زيد عمر، وصاد قاف، ولو كان سكونها بناء لما جمعوا بينهما كما في سائر الأسماء المبنية نحو كيف وأخواتها. فإن قلت: ربما عددت الأسماء ساكنة الأع جاز متصلا بعضها ببعض فلا يكون هناك وقف. قلت. هي قبل التركيب في حكم الوقف سواء كانت متفاصلة أو متواصلة، فإن الوقف قطع الكلمة عما بعدها إما لضرورة التنفس أو لتحسين اللفظ أو لعدم ما يوجب الوصلة من التركيب وليس فيها قبله ما يوجب الوصلة، فالمتواصلة منها في نية الوقف فتكون ساكنة، بخلاف كيف وأين وحيث وجير إذا عددت وصلا فإن حركاتها لكونها لازمة لا تزول إلا بوجود الوقف حقيقة.
ونقل عن ابن مالك أنه قال: رأى من جعل الاسم قبل التركيب معربا حكما لا يبعد عن الصواب، إذ لو كان مبنيا لم يسكن وصلا في التعديد إذ لم يرد مبنى كذلك، فهؤلاء قد اكتفوا في كون الاسم معربا اصطلاحا بمجرد انتفاء المانع من قبول الإعراب ولم يشترطوا وجود مقتضيه، وعرفوا المعرب بما يختلف آخره باختلاف العوامل في أوله وأرادوا ما يمكن فيه الاختلاف على قانون اللغة سواء اتصف به بالفعل أو كان من شأنه ذلك إما قريبا كما إذا وقع في التركيب ولم يعرب، وإما بعيدا كما إذا وقع في التعديد. ومن اشترط في المعرب وجود المقتضى فقد اعتبر الاتصاف بالفعل والقريب منه ولا مشاحة في الاصطلاحات، إلا أن ما آثره المصنف أولى لأن المذهب الآخر يحتاج فيه إلى الفرق بين سببي البناء أعني عدم المقتضى ووجود المانع بتجويز التقاء الساكنين مع الأول دون الثاني وهو تحكم لجواز عكسه. وقد يدفع بأن تلك الأسماء قد استمر لها السكون قبل التركيب فأشبهت الموقوف فاغتفر فيها ما جاز فيه. لا يقال: البناء للمناسبة عارض بعد التركيب كالإعراب وكان بالحركة أولى تنبيها على تخالفهما كتخالف الإعراب والبناء. لأنا نقول: المناسبة حاصلة قبل التركيب أيضا. قال رحمه الله تعالى ومما يؤيد مذهب الجمهور أنك لا تفرق بين زيد وعمرو وبين هؤلاء وأين في إيجاب السكون قبل التركيب، ولا شك أن سكون الأخيرين وقف لأنهما مبنيان على الحركة، فكذا سكون الأولين. لا يقال: هما قبل التركيب مبنيان على السكون لعدم المقتضى للإعراب وبعده على الحركة لوجود المانع. لأنا نقول: قد عرفت أن وجود المانع: أي المناسبة مع مبنى الأصل مستمر وسبب مستقل، فإسناد البناء إليه في وقت دون وقت آخر ترجيح بلا مرجج. والقول بأن البناء لمانع إنما يعتبر مع وجود المقتضى لا يناسب مقتضى عرف اللغة، وسيأتي زيادة تأييد في آل عمران إن شاء الله تعالى (قوله لحذى بهذا) قيل المشهور في كتب اللغة: حذوف النعل بالنعل: إذا قدرتها بها، فينبغي أن يقال حذيت بكيف وأين وهؤلاء حذوا بإدخال الباء عليها لأنها مقدر بها. واختار بعضهم أنه من باب القلب وأخدل الباء في المقدر أمنا من اللبس فانقلب الضمير المستتر بارزا وسقط الباء وأضيف المصدر إلى المقدر بها، ومال جماعة إلى أن الفعل المتعدى نزل منزلة اللازم ثم عدى بالباء وكأنه قيل قدرت تقدير كيف: