واشتقاق بالصوت كأنها لقصورها عن مرتبة أخواتها انحطت درجتها عن درجة الاسمية بل عن اللفظية واستحقت أن يعبر عنها بالصوت الذي هو أعم (قوله سمى به الفعل الذي هو استجب) إشارة إلى أن أسماء الأفعال موضوعة بإزاء الأفعال كاستجب وأسرع وأمهل وأقبل من حيث يراد بها معانيها لامن حيث يراد بها أنفسها. فإذا قلت آمين فهم منه لفظ استجب أو ما يرادفه مقصودا به طلب الاستجابة كما في قولك اللهم استجب، لا مقصودا نفسه كما في قولك استجب صيغة أمر، وبذلك صح كونها اسما وإن استفدنا منها معاني الأعمال لأن مدلولاتها التي وضعت هي لها ألفاظ ولم يعتبر معها اقترانها بزمان. وأما المعاني المقترنة بالزمان فهي مدلولة لتلك الألفاظ فتنتقل من الأسماء إليها بواسطتها، وهذا تأويل مناسب لتسميتها بأسماء الأفعال. وقال بعض النحويين: إنها في الحقيقة أسماء للمصادر السادة مسد أفعالها فصه معناه سكوتك بالنصب: أي اسكت سكوتك فهي بمعنى المصادر لا الأفعال ومن ثم كانت أسماء، والقول بأنها أسماء الأفعال مفيدة لمعانيها قصر للمسافة. وقد نص الزجاج على أن كلمة آمين موضوعة موضوع الاستجابة كصه موضوع موضع السكوت إلا أن بناءها على هذا القول لا يتضح إيضاحها على القول الأول. وذكر بعض المحققين من النحاة أن الذي حملهم على أن قالوا هذه الكلمات ليست بأفعال مع تأديتها معانيها بل أسماء لها وارتكبوا تأويلا في تصحيحه أمر لفظي هو أن صيغتها مخالفة لصيغ الأفعال فإنها لا تتصرف فيها تصرفها وتدخل اللام في بعضها والتنوين في بعض. وقل بعضهم أن آمين كلمة أعجمية على وزن قابيل وهابيل وجوز أن يكون أصلها القصر فتكون عربية مصدرا على وزون النذير والنكير، ثم جعلت است فعل. ومن الشارحين من تصدى لبيان مدلالات أسماء الأفعال فقال: وتحقيق ذلك أن كل لفظ وضع لمعنى اسما كان أو فعلا أو حرفا فله اسم علم هو نفس ذلك اللفظ من حيث دلالته على ذلك الاسم أو الفعل أو الحرف، ألا ترى أنك تقول في قولنا خرج زيد من البصرة، خرج فعل ماض وزيد اسم ومن حرف جر، فتجعل كل واحد من الثلاثة محكوما عليه.
قال: لكن هذا وضع غير قصدي لا يصير به اللفظ مشتركا ولا يفهم منه بذلك معنى مسماه. وقد اتفق أنه وضع لبعض الأفعال أسماء غير ألفاظها تطلق ويراد بها الأفعال من حيث دلالتها على معانيها كما مر وسموها أسماء الأفعال وفيه نظر لأن دلالة الألفاظ على نفسها ليست مستندة إلى وضع أصلا لوجودها في المهملات بلا تفاوت، وجعلها محكوما عليها لا يقتضى كونها أسماء لأن الكلمات بأسرها متساوية الأقدام في جواز الإخبار عن ألفاظها، بل هو جار في الألفاظ المهملة كقولك حسن مركب من حروف ثلاثة، ودعوى أن الواضع وضع المهملات بإزاء نفسها وضعا قصديا أو غير قصدي وأنها أسماء بهذا الاعتبار خروج عن الإنصاف ومكابرة في قواعد اللغة، على إن إثبات وضع غير قصدي أمر لا يساعده نقل ولا عقل، وإنما ارتكبه تفصيا عن إلزام الاشتراك في جميع الكلم.
والتحقيق أنه إذا أريد الحكم على لفظ بلفظ مخصوصة فإن تلفظ به لم يحتج هنالك إلى وضع ولا إلى دال على المحكوم عليه للاستغناء بذاته عما يدل، فتشارك الألفاظ كلها في صحة الحكم عليها عند التلفظ بها أنفسها، وإنما يحتاج إلى ذلك إذا لم يكن المحكوم عليه لفظا أو كان ولم يلتفظ به نفسه، فينصب هناك ما يدل عليه ليتوجه الحكم إليه وما وقع في عبارة بعضهم من أن ضرب ومن وأخواتهما أسماء لألفاظها الدالة على معانيها وإعلام لها فكلام