النفسانية المستحملة عليه سبحانه وجب صرف الكلام عن ظاهره، وذلك من وجوه: الأول أن يجعل الرحمة مجازا عن إرادة الإنعام، والغضب عن إرادة الانتقام من باب إطلاق السبب على مسببه القريب. الثاني أن يجعلا مجازين عن الإنعام والانتقام إطلاقا لاسم السبب على المسبب البعيد فإنهما مسببان عن الإرادة المسببة عنهما. الثالث أن يحمل الكلام على الاستعارة التمثيلية، والمصنف اختار في الرحمة الوجه الثاني حيث قال: هو مجاز عن إنعامه وبين العلاقة السببية بقوله لأن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وإنعامه، وأشار في الغضب إلى التمثيل وهو أن يشبه حال الله تعالى مع العصاة في عصيانهم إياه وإرادته الانتقام منهم وإنزال العقوبة بهم بحال الملك إذا غضب على من عصاه وأراد أن ينتقم منهم وإنزال العقوبة بهم، ويشهد لقصد التمثيل أنه أشار إلى علاقة المشابهة حيث قال:
وأن يفعل بهم ما يفعله الملك، أي مثل ما يفلعه الملك إذا غضب على من تحت يده واعتبر التركيب فقال: هو إرادة الانتقام وإنزال العقوبة برفع اللام كما في النسخ المعول عليها، فيكون قوله وأن يفعلل مرفوع المحل أيضا، ويعلم من جريان التمثيل ههنا جريانه في الرحمة أيضا كما يعلم من جعلها مجازا عن الإنعام جواز كون الغضب مجازا عن الانتقام، ومن زعم أن اللام مجرورة وأن المصنف جعل الغضب مجازا عن الإرادة دون الانتقام مع جعله الرحمة مجازا عن الإنعام دون إرادته إشارة إلى سبق رحمته على غضبه كما مر تقريره فقد خالف تلك النسخ ولزمه أن لا يكون لقوله وإنزال العقوبة بهم فائدة، إذ ليس في الانتقام اشتباه ليعطف عليه ما يفسره وأن يكون التعرض للتشبيه مستدركا، بل الواجب حينئذ أن يقول: إن الملك إذا غضب على من تحت يده أراد أن ينتقم منهم. على أن تلك النكتة تخييلية لا تحقيقية، فإن إرادة الله تعالى إذا تعلقت بأفعاله أفضت إليها اتفاقا، والظاهر أن المصنف لم يلتفت في شئ منهما إلى المجاز عن الإرادة، لأن الوصف بالإنعام والانتقام أقوى في الترغيب والترهيب من الوصف بإرادتهما: قال ابن جنى: لما ذكر النعمة صرح بالخطاب تقربا بذكر نعمته وإسنادها إليه، ولما ذكر الغضب زوى عنه إسناده تأدبا: أي أنت ولى الإنعام وهو الغائض من جنابك، وهؤلاء يستحقون أن يغضب عليهم (قوله محلها الرفع على الفاعلية) مفعول مالم يسم فاعله فاعل عنده وهو مذهب عبد القاهر وقدماء البصرة.
قال أبو البقاء: لا ضمير في المغضوب عليهم لقيام الجر والمجرور مقام الفاعل ولذلك لم يجمع كما جمع ولا الضالين (قوله لم دخلت لا) يعنى أن لا المسماة بالمزيد عند البصريين إنما تقع بعد بعد الواو العاطفة في سياق النفي للتأكيد والتصريح بتعلق النفي بكل من المعطوف والمعطوف عليه كيلا يتوهم أن المنفى هو المجموع من حيث هو مجموع،