فيجوز حينئذ ثبوت أحدهما وليس ههنا نفى ليصح دخول لا، فالسؤال عن وجه الصحة كما يدل عليه جوابه لا عن الفائدة كما توهمه اللام كأنه قال: لأي سبب ومصحح دخلت لا؟ والجواب أن كلمة غير تتضمن معنى النفي فجاز وقوع لافى سياقها. فإن قلت: كلمة " لا " في قوله لا المغضوب عليهم ليست عاطفة إذا لم يرد اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم لا صراط المغضوب عليهم، بل أريد وصف المنعم عليهم بمغايرة المغضوب عليهم فلا وجه لها سوى أن تكون بمعنى غير، فلا فائدة حينئذ لتبديل غير بها في تصوير معنى النفي وتحقيقه. قلت: لفظة " لا " في أصلها موضوعة للنفي، واشتهرت بهذا أعني كأنها علم له فهي وإن جعلت بمعنى غير أظهر دلالة على النفي وأرسخ قدما فيه (قوله وتقول أنا زيدا غير ضارب) استدلال على أن غيرا في حكم لا حيث جوز فيه تقديم معمول ما أضيف إليه بناء على أنه منزلة لا فكأنه لا إضافة ههنا، ولم يجوز ذلك في مثل لأن الإضافة فيه ليست في حكم العدم، وإذا منعت من تقديم المضاف إليه على المضاف كانت لتقديم معموله على المضاف أمنع، فإن المعمول لا يقع إلا حيث يصح ن يقع عامله فيه. وتلخيص الكلام أن غيرا وضعت للمغايرة وهى مستلزمة للنفي، فتارة يراد بها إثبات المغايرة كما في الآية فتكون إثباتا في حكم النفي لتضمنه إياه فيجوز تأكيده بلا، وأخرى يراد بها النفي كقولك أنا غير ضارب زيدا: أي لست ضاربا له لا أنه مغاير لشخص ضارب له فيكون نفيا صريحا، والإضافة بمنزلة العدم في المعنى، فيجوز تقديم المعمول أيضا ولذلك قال في الأول: كأنه قيل لا المغضوب عليهم، وفى الثاني لأنه بمنزلة قولك أنا زيدا لا ضارب. فإن قيل: صرح السخاوي بأن " لا " في مثل قولك أنا لا ضارب زيدا اسم بمعنى غير، إلا أنه لما كان على صورة الحرف أجرى إعرابه على ما بعده كما في لا تقول جئت بلا شئ ورأيت لا راكبا، قال الله تعالى - لافارض ولا بكر - ولا بارد ولا كريم - فوجب أن يمتنع تقديم المعمول فيه أيضا أجيب أولا بمنع الاسمية، وثانيا بجواز التقديم نظرا إلى صورة الحرفية المقتضية لانتفاء الإضافة المانعة من التقديم.
لا يقال: هناك مانع آخر وهو أن ما في حيز النفي يمتنع أن يتقدم عليه. لأنا نقول: إنما يمتنع ذلك إذا كان النفي بما وإن فإنهما لما دخلا على الاسم والفعل أشبها الاستفهام فلم يجز تقديم ما في حيزهما عليهما، بخلاف لم ولن فإنهما اختصا بالفعل وعملا فيه وصارا كالجزء منه، فجاز أن يعمل ما بعدهما فيما قبلهما. وأما كلمة لا فإنما جاز التقديم معها وإن دخلت على القبيلين لأنها حرف يتصرف فيها حيث عمل ما قبلها فيما بعدها كقولك جئت بلا شئ وأريد أن لا تخرج، فجاز أيضا إعمال ما بعدها فيما قبلها بخلاف ما إذا لا يتخطاها العالم أصلا، والكوفيون جوزوا تقديم ما في حيزها عليها قياسا على أخواتها (قوله لغة من جد في الهرب) حيث هرب من التقاء الساكنين على حده مع كونه مغتفرا، ومن لغته النقر في الوقت على النقر (قوله آمين صوت) أي لفظ إنما اختاره إما لقرب أسماء الأفعال من الأصوات ولذلك جمعهما في المفصل في فصل واحد، وإما لأن هم يعبرون عن أسماء لا يعرف لها تصرف