مخلدون في النار تعريض بأهل السنة حيث يطمعون في ذلك. والجواب أن المقصود اختصاصهم بالكامل من الهدى والفلاح، فلا يلزم من ذلك أن لا يكون لغيرهم هدى ولا فلاح أصلا (قوله استفلحي) فهو من كنايات الطلاق: أي فوزي واستقلي بأمرك (قوله على معنى الشق) يقال فلحت الأرض: أي شققت والحديد بالحديد يفلح: أي يشق ويقطع، ومنه الفلاحة بمعنى الحراثة (قوله فلق) شق، وفلذ قطع، وفلى فرق الشعر لطلب القمل (قوله قفى على أثره) يقال قفيته به وقفيت به على أثره: أي أتبعته إياه، وفى قوله سواء عليهم وجود الكتاب وعدمه إشارة إلى التناسب بين القصتين الذي حسن به تعقيب إحداهما بالأخرى زيادة حسن وإن لم يصلح مصححا له عطف بينهما (قوله فبين الجملتين تباين في الغرض والأسلوب) أما التباين في الأول فلأن الغرض من الأولى بيان بلوغ الكتاب غاية الكمال في الهداية تقريرا لكونه يقينا لا مجال فيه للشك، وتحقيقا لكونه ذلك الكتاب الكامل في جنسه المتحدى بإعجازه، ومن الثانية بيان إصرار الكفار على ما هم عليه من الكفر والضلال وأنه لا يجدى عليهم الإلطاف والإنذار. وأما التباين في الثاني: أي الأسلوب وهو الفن والطريق فلأن طريق الأداء في الأولى إن يحكم على الكتاب مع حذفه لفظ بما جعل الملقون قيدا لما حكم به عليه، وفى الثانية أن يحكم على الكفار قصدا مع ذكرهم لفظا، وصدرت بأن إشعارا بالانقطاع والشروع في فن آخر. لا يقال الجملتان مسوقتان لبيان حال الكتاب، فالأولى لبيان أنه هدى للمتقين، والثانية لبيان أنه ليس هدى لأضدادهم فيهما على حد يحسن العطف بينهما. لأنا نقول: قد عرفت أن الذي سيقت له الثانية هو الحكم على الكفار بالإصرار، وأن وجوده الإنذار وعدمه سواء عليهم، وأما أن الكتاب بحيث لا يجديهم فمعلوم تبعا لا قصدا، ولو كان مقصودا لم يحسن العطف أيضا لأن الانتفاع به صفة كمال له يؤيد ما سيق له الكلام في هذا المقام من تفخيم شأنه وإعلاء مكانه بخلاف عدم الانتفاع (قوله فهو في الحقيقة كالجاري عليه) يعنى أنه وإن كان في صورة كلام مستقل منقطع عما قبله حيث جعل مبتدأ
(١٤٩)