الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٤٤
تعالى - مثلهم كمثل الذي استوقد نارا - لأنا نقول: المراد بكون المعنى مفردا أن يلاحظ ملاحظة واحدة في ضمن لفظ واحد، سواء لم يكن له أجزاء أو كانت له أجزاء متعددة لو حظت دفعة إجمالا، ويكون المعنى مركبا أن يلتفت إلى أشياء عدة كل على حدة، ثم يضم بعضها إلى بعض وتصير هيئة وحدانية، وكل معنى ذي أجزاء عبر عنه بلفظ واحد لم تكن تفاصيلها محلوظة ولم تعد مركبا. وأما التشبيه بالمثل فلا يغنى عنك شياء فإن الحالة المختصگ المشبهة إنما تفهم من ألفاظ مقدرة: أي مثلهم بما ذكر من إظهار الإيمان وإبطال الكفر وما يترتب عليه من الخداع المستتبع للمنافع، كما أن الحالة المشبهة بها تفهم من جميع الألفاظ المذكورة ههنا (قوله ونحوه هو على الحق) تجرى فيه الوجوه الثلاثة (قوله وقد صرحوا بذلك) لما ذكر أن كلمة على مستعارة للتمسك بالهدى لزم من ذلك تشبيه الهدى ونظائره بالمركوب، وربما تبادر إلى بعض الأوهام استبعاده، فأزاله بأن هذا التشبيه فيما ذكرناه ضمني غير مقصود من الكلام، وقد صرحوا به في مواضع أخر وجعلوه مقصودا منه. أما في صورة التشبيه كما في قولهم جعل الغواية مركبا، فإنه في قوة قولك الغواية مركب: أي كالمركب. وأما في صورة الاستعارة كما في قولهم اقتعد غارب الهوى، فقد شبه الهوى بالمطية على طريقة الاستعارة المكنية ورمز لها بإثبات الغارب ورشح بذكر الاقتعاد. وأما قولهم متطي الجهل، فإن جعل بمنزلة قولك ركب مطية الجهل كان استعارة بالكناية كغارب الهوى وإن جعل في قوة قولك اتخذ الجهل مطية كان تشبيها كالأول، وأيا ما كان فتشبيه الجهل بالمطية مقصود من الكلام وهو المراد بكونه مصرحا به. وقيل امتطى هو استعارة تبعية شبه اتصافه بالجهل واستقراره عليه بامتطاء المطية، واستعير اسم المشبه به للمشبه وسرت الاستعارة إلى الفعل، وذكر المفعول: أي الجهل قرينة لها. ويرد عليه أنه لافرق حينئذ بينه وبين قوله على هدى في أن تشبيه الهدى والجهل بالمركوب ليس مقصودا منهما، والتشبيه المقصود مستفاد من الاستعارة التبعية، فجعله في أحدهما مصرحا به دون الآخر تحكم، والفرق بأن معنى الاستعلاء خارج عن معنى الحرف ومعنى المصدر داخل في الفعل غير صحيح، وعلى تقدير صحته فالظاهر أنه لا يوجب الاختلاف المذكور، وقد يتوهم أن لفظ ذلك في قوله وقد صرحوا بذلك إشارة إلى التشبيه المدلول عليه بقوله شبهت: أعني التشبيه المقصود بالاستعارة في علي، وهو بعيد إذ لا ينطبق عليه شئ من الأمثلة. وقيل إشارة إلى إرادتهم معنى الاستعلاء والركوب وهذا أبعد (قوله أي منحوه) زاد حرف التفسير بين المبتدأ والخبر تأكيدا للاتحاد وزيادة في البيان، والمقصود أن من ابتدائية ومن ربهم صفة لهدى وتفسيره باللطف والتوفيق رعاية لمذهبه.
وأما عند الجماعة فهو خلق الاهتداء فيهم، والتوفيق هو اللطف الداعي إلى أعمال الخير، كما أن العصمة هي اللطف الزاجر عن أعمال الشر (قوله إلى الأفضل فالأفضل) قيل هذه الفاء للتعقيب على سبيل الاستمرار، والمعنى:
أنه إذا ساعدهم اللطف على عمل فأقدموا عليه استنزلوا لطفا آخر أكمل من الأول فيحدثوا به عملا أفضل، وهكذا
(١٤٤)
مفاتيح البحث: الجهل (6)، الجماعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»