بعض الناس أن الاستعارة ههنا تبعية تمثيلية، قال: أما كونها تبعية لجريانها أولا في متعلق معنى الحرف وتبعيتها في الحرف، وأما كونها تمثيلية فلكون كل من طرفي التشبيه حالة منزعة من عدة أمور، فاعترض عليه بأن انتزاع كل من طرفي التشبيه من أمور عدة يستلزم تركبه من معان متعددة ولا شك أن متعلق معنى الحرف هو الاستعلاء وأنه من المعاني المفردة كالضرب وأمثاله، فلا يكون مشبها به في التشبيه الذي يركب طرفاه، نعم ربما يعتبر هنالك معه شئ آخر ليحصل معهما مجموع هو المشبه به، وإذا لم يكن معنى الاستعلاء مشبها به في ذلك التشبيه سواء كان جزءا منه أولا فكيف يسرى التشبيه والاستعارة منه إلى معنى الحرف. ومحصله أن كون على استعارة تبعية يستلزم كون معنى الاستعلاء مشبها به، وأن تركب الطرفين يستلزم أن لا يكون مشبها في فلا يجتمعان، فإذا جعلت على تبعية لم تكن تمثيلية مركبة الطرفين بل كانت استعارة في المفرد كما بينا. وأجيب عنه بأن انتزاع كل من طرفي التشبيه من عدة أمور لا يوجب تركبه في نفسه بل يقتضى تعددا في مأخذه. ورد بأن المشبه مثلا إذا كان متزعا من أشياء متعددة، فإما أن ينتزع بتمامه من كل واحد منها وذلك باطل لأنه إذا أخذ بتمامه من كل واحد منها كان أخذه مرة ثانية من واحد آخر لغوابل تحصيلا للحاصل، وإما أن ينتزع من كل واحد منها بعض منه فيكون مركبا بالضرورة، وإما أن لا يكون هنالك لا هذا ولا ذاك، وهو أيضا باطل إذا لا معنى حينئذ لانتزاعه من تلك الأمور المتعددة أصلا، فتتعين القسم الثاني ولزم المطلوب. على أن هذا الزاعم قد صرح في تفسير قوله تعالى - كمثل الذي استوقد نارا - بأنه لا معنى لتشبيه المركب بالمركب إلا أن ينتزع كيفية من أمور عدة وتشبه بكيفية أخرى مثلها، فيقع في كل واحد من الطرفين أمور متعددة. وأيضا قد اتفقوا على أن وجه التشبيه في التمثيل يجب أن يكون مركبا، وما ذك إلا لكونه منتزعا من متعدد، وأمثال ذلك مما لا يلتبس على ذي فطنة ناقدة وفكرة صائبة، وكأنه بك قد تطلعت نوازغ من قلبك إلى ما يشفى غليل صدرك من تحقيق المقام الذي زلت فيه الأقدام فنقول وبالله التوفيق: اعلم أن قوله: على هدى يحتمل وجوها ثلاثة: الأول ما مر من تشبيه تمسكهم بالهدى باستعلاء الراكب.
الثاني أن تشبيه هيئة منتزعة من المتقى والهدى وتمسكه به بالهيئة المنتزعة من الراكب والمركوب واعتلائه عليه فيكون هناك استعارة تمثيلية مركب كل من طرفيها لكنه لمى صرح من الألفاظ التي هي بإزاء المشبه به إلا بكلمة على، فإن مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة وما عداه تبع له يلاحظ معه في ضمن ألفاظ منوية وإن لم تكن مقدرة في نظم الكلام، فليس حينئذ في علي استعارة أصلا بل هي على حالها قبل الاستعارة كما إذا صرح بتلك الألفاظ كلها. الثالث أن يشبه الهدى بالمركوب على طريقة الاستعارة بالكناية وتجعل على قرينة لها على عكس الأول كما اختاره الإمام السكاكي، وحينئذ فمن اعتبر في طرفي التشبيه تلك الهيئة الوحدانية وحكم بأن الاستعارة تبعية فقد اشتبه عليه الوجه الأول بالثاني، وقد تمادى في ذلك من ادع تكرره في الكشاف وهو برئ منه وتوهم أن عبارة المفتاح في تقرير الاستعارة التبعية في لعل بينة في اجتماع التبعية والتمثيلية فيما ادعاه، وليس فيها إلا أنه شبه حال المكلف بحاله المرتجى، والحال أعم من المفرد والمركب كما لا يخفى. فإن: نعم لكن الحق استلزام التمثيل تركب طرفيه، فإن المتبادر من قولهم التمثيل ما وجهه منتزع من عدة أمور انتزاع وجهه من عدة أمور في كل من الطرفين، وإن مكن أن يراد انتزاعه من أمور هي أجزاؤه كما في الهيئة المنتزعة التي تجعل مشبهة أو مشبها به لا يقال: تركب طرفيه واجب بحسب المعنى وأما بحسب اللفظ فلا، إذ ربما يطلق لفظ واحد على قصة كقوله