فالنبي صلى الله عليه وآله حجة وبينة، وإقامة الشهادة العادلة بينة، وكل برهان ودلالة فهو بينة، وقوله (رسول من الله) هو بيان تلك البينة، بينها بأنه رسول من قبل الله يتلو عليهم صحفا مطهرة، يعني في السماء لا يمسها إلا الملائكة المطهرون من الأنجاس وقوله (فيها كتب قيمة) معناه في تلك الصحف كتب جمع كتاب (قيمة) فالقيمة المستمرة في جهة الصواب، فهو على وزن (فيعلة) من قام الامر يقوم به إذا أجراه في جهة الاستقامة. وقال قتادة: صحفا مطهرة يعني من الباطل وهو القرآن يذكره بأحسن الذكر ويثني عليه بأحسن الثناء.
وقوله (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جائتهم البينة) اخبار من الله تعالى أن هؤلاء الكفار لم يختلفوا في نبوة النبي صلى الله عليه وآله لأنهم مجمعين على نبوته بما وجدوه في كتبهم من صفاته، فلما أتاهم بالبينة الظاهرة والمعجزة القاهرة، تفرقوا واختلفوا، فآمن بعضهم وكفر بعضهم. وفى ذلك دلالة على بطلان قول من يقول: إن الكفار خلقوا كفارا في بطون أمهاتهم، لأنه تعالى بين أنهم لم يختلفوا في ذلك قبل مجئ معجزاته وأدلته، ولا يلزم على ذلك أن يكون مجيئ الآيات مفسدة من حيث وقع الفساد عندها، لأنه ليس حد المفسدة ما يقع عنده الفساد، بل حده ما يقع عنده الفساد ولولاه لم يقع، من غير أن يكون تمكينا، وههنا المعجزات تمكين فلم يكن مفسدة.
ثم قال تعالى (وما أمروا) أي لم يأمرهم الله تعالى (إلا ليعبدوا الله) وحده ولا يشركوا بعبادته غيره (مخلصين له الدين) لا يخلطون بعبادته عبادة سواه.
وقوله (حنفاء) جمع حنيف، وهو المائل إلى الحق، والحنفية الشريعة المائلة إلى الحق، وأصله الميل، ومن ذلك الأحنف: المائل القدم إلى جهة القدم الأخرى.
وقيل: أصله الاستقامة، وإنما قيل للمائل القدم أحنف على وجه التفاؤل (وقوله