التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٥٧
العرب كما حقت على من قبلهم.
ثم اخبر تعالى عن حال الملائكة وعظم منزلتهم بخلاف ما عليه الكفار من البشر، فقال " الذين يحملون العرش " عبادة لله تعالى وامتثالا لامره " ومن حوله " يعني الملائكة الذين حول العرش يطوفون به ويلجئون إليه " يسبحون بحمد ربهم " أي ينزهونه عما لا يليق به ويحمدونه على نعمه " ويؤمنون به " أي ويصدقون به ويعترفون بوحدانيته " ويستغفرون للذين آمنوا " أي يسألون الله المغفرة للذين آمنوا - من البشر - أي صدقوا بوحدانيته واعترفوا بالإلهية.
ويقولون: أيضا مع ذلك " ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما " ونصبهما على التميز ومعناه وسعت رحمتك أي نعمتك ومعلومك كل شئ. فنقل الفعل إلى الموصوف على وجه المبالغة، كما قالوا: طبت به نفسا، وجعل العلم في موضع المعلوم، كما قال " ولا يحيطون بشئ من علمه " (1) أي بشئ من معلومه على التفصيل، وتقديره:
وسعت رحمتك وعلمك كل شئ، ويقولون أيضا ربنا " فاغفر للذين تابوا " من معاصيك ورجعوا إلى طاعتك " واتبعوا سبيلك " الذي دعوت خلقك إليه من التوحيد وإخلاص العبادة " وقهم عذاب الجحيم " أمنع منهم عذاب جهنم لا يصل إليهم، وحذف يقولون قبل قوله " ربنا " لأنه مفهوم من الكلام.
واستغفارهم للذين تابوا يدل على أن اسقاط العقاب غير واجب لأنه لو كان واجبا لما كان يحتاج إلى مسألتهم بل الله تعالى كان يفعله لا محالة.
ثم حكى تمام ما يدعوا به حملة العرش والملائكة للمؤمنين، فإنهم يقولون أيضا " ربنا وأدخلهم " مع قبول توبتك منهم ووقاية النار (جناب عدن التي

(1) سورة 2 البقرة آية 256.
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست